بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الواعد الأمين ، اللهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم ، اللهمّ علِّمنا ما ينفعنا ، وانْفعنا بما علَّمتنا ، وزِدنا علمًا ، وأرِنا الحقّ حقًا وارزقنا اتِّباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجْتِنابه، واجْعلنا مِمَّن يستمعون القَوْل فيتَّبِعون أحْسَنَهُ ، وأدْخِلنا بِرَحمتِكَ في عبادك الصالحين .
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الكرام :
بدأنا في الدرس الماضي في موضوع بعض المخالفات التي يرتكبها النساء والمتعلّقة بشُؤون حياتهنّ ، وقد بيّنتُ لكم في الدرس الماضي أنّ للمرأة دورًا خطيرًا في الأسرة ، ذلك إذا كانتْ تعرف ربّها ومنهجه ، انعكَسَتْ معرفتها والتِزامها على أسرتها ، واعلموا أنت تربية الأولاد من أخطر ما يترتّب على المسلمين ؛ لأنّ قوة الأمّة بهذه الأجيال الصاعدة، فإذا فسدَتْ هلكَتْ الأمّة ، وكلّ ما من شأنه تقوية هذه الأجيال الصاعدة هو ذُخْرٌ للأمّة ومستقبلها ، والأمَل معقود على المرأة، الزوجة ، الأمّ ، فالأمّ مدرسةٌ إذا أعددْتها أعددت شعبا طيّب الأعراق ، والله أيّها الإخوة ولا أُبالغ ، إنّ هناك من النساء المؤمنات الصادقات الملتزمات ، قلامةُ ظفر إحداهنّ تعدل عند الله مئة ألف رجل ، هذا إن كانت هذه المرأة تعرف ربّها ، وتؤدّي حقّها تّجاه زوجها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لها بعد أن سألته :
انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته ، يعدل ذلك كله ـ يعني الجهاد في سبيل الله ـ فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا .
[ رواه البيهقي ]
والله الذي لا إله إلا هو ، لو أنّ امرأةً قالت : أنا أحملُ دكتوراه من أرقى جامعات العالم، وأحمل البورد من أمريكا ، وأكريجي من فرنسا، و أل frs من إنجلترا ، وكانتْ مهملةً لزوجها وأولادها ، فليس لها عند الله شأن لأنّها لمْ تعبد الله فيما أقامها ، أقامها أُمًّا وزوجةً ، عبادتها الأولى أن تعتني بزوجها وأولادها ، بل إنّ أعلى شهادةٍ تحملها المرأة أولادها ، إذا دفعَتْ للمجتمع أولادًا عقيدتهم سليمة ، وأخلاقهم رصينة ، و عاداتهم طيّبة ، و في قلوبهم شفقةٌ ورحمة ، فهذا أعظم عملٍ تفعله المرأة أن تقدّم للمجتمع عناصر طيّبة ، ولعلّ أحدكم يتعامل في حياته اليوميّة مع أناسٍ في قلوبهم رحمة ، فهذا من أثر تربية أمّهاتهم ، وفي قلوبهم عطْف ، وعندهم إنصاف ، و أثر تربية الأمّ لا حدود له ، ولكن ما قولك في طفلٍ وُجد في الحديقة لقيطاً ، هذا الطّفل اللّقيط بماذا يشعر ؟ بكراهية للمجتمع، وفي قلبه قَسْوةٌ لا حدود لها ناقمٌ على المجتمع ، ما قولك بمجتمعٍ أربعون بالمئة من أولاده لقَطاء ؟ في بعض بلاد الغرب، أربعون بالمئة من عدد الأطفال لقطاء ، هؤلاء حينما يكبرون يتسـلّمون مناصب ، قلوبهم خالية من الرحمة لأنّهم لمْ يَسْتقوها من أُمّهاتهم ، فالرحمة أيها الإخوة يستقّيها الطّفل الرضيع مع حليب أمّه ، أنا لا أقول أسرة غنية ، ولكن أُسرة متماسكة ، فقد تسكن في غرفة ، وقد يأكلون أخشن الطعام ، ولكنها أُسرة متماسكة وفيما بين أفرادها حبّ ، و الزوج وفيّ ، والزوجة مخلصة ، والأولاد نشؤوا على محبّة والديهم ، بينهم وُدّ وإخلاص ، فأوّل ثمرة يقطفها الزوج من وفاقه مع زوجته ، وأوّل ثمرة تقطفها الزوجة من وفاقها مع زوجها أولاد أصحّاء نفسيًّا .
إخواننا المعلّمون حينما يرَوْن طفلاً شاذًّا ، لو تتبّعوا حياته الخاصّة لوجدوا أنّ أمه مُطلّقة مثلاً، أو بين أمّه وأبيه خلافات لا تنتهي ، فلذلك تماسك الأسرة أساس في سلامة صحة أولادهم النفسية قد تسكن أُسرة في بيت متواضع جدًّا ، وقد يكون دخلها قليل جدًّا ، ومع ذلك فهذه الأسرة متماسكة ، وهناك حبّ ، و كلام السيّد المسيح رائع : ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان، السعادة لا تأتي من بيت ولا من دخْل ، ولا من جمال ، ولا من مكانة، ولكنّها تأتي من اتّصال بالله عز وجل، ونحن عندنا قانون يغفل عنه الناس ، ذلك أنّ آيات القرآن الكريم لها معنى سياقي ، ومعنى سباقي ، ومعنى لِحاق ، أما لو نزعْتَ هذه الآية من مكانها لكان لها معنًى مستقلّ ، فهي وحدها منهج ، في سورة الطلاق مثلاً قوله تعالى:
[ سورة الطلاق ]
فمعناها السياقي من يتّقِ الله في تطليق زوجته وفق السنّة طلّقها طلقةً واحدة ، في طُهرٍ ما مسّها فيه ، يجعل الله له مخرجًا إلى إرجاعها ، لو أنّه أخطأ بإمكانه أن يسترجعها بكلمة، حتى لو مضَت عِدّتها ولم يسترجعها بإمكانه أن يُرجعها بِعَقدٍ جديد ، أما حينما يطلّق امرأته تطليقًا بدْعِيًّا ثلاث طلقات دفعة واحدة ، و لم يتّق الله في تطليق زوجته ، فلمّا لم يتّق الله في تطليق زوجته لم يجعل الله له مخرجًا إلى إرجاعها ، هذا المعنى السياقي .
أما لو نزعْتَ الآية من مكانها ، الآية تصبحُ منهجاً ، فمن يتّق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجًا من إتلاف المال ، ومن يتّق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجًا من عقوق الأولاد، من يتق الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجًا من الشّقاء الزوجي ، من يتق الله في بر الوالدين يجعل الله له مخرجًا من عقوق الأولاد ، فهذه الآية يُكتب عليها مجلّدات ، في سياقها لها معنى ، وحينما تنزع من سياقها لها معنى آخر .
وقوله تعالى :
[ سورة المائدة ]
هذا الحديث عن أهل الكتاب ، أي لم يُطيعوا الله عز وجل ، كأنّ هذه الآية تُشير إلى قانون العداوة والبغضاء ، متى نتعادى ؟ و متى يبغض بعضنا بعضًا ؟ متى تنشبُ الخلافات فيما بيـننا ؟ متى نصبح ممزّقين ؟ حينما نخالف جميعًا منهج الله تعالى ، هذا قانون ، وهذا على مستوى زوجين وأخوين ، وعلى مستوي شريكين ، وعلى مستوى جارين ، حينما يقصّر أحدهما في طاعة الله ينشأ بينهما عداوةٌ وبغضاء لا حدود لها ، إذا نظرْت إلى مجتمعٍ شاردٍ عن الله عز وجل ، شيءٌ عجيب ، في الأسرة الواحدة خلافات ، في المدينة الواحدة ، في البلد الواحد ، وفي القرية ، الناس ممزّقون ، قال تعالى :
[ سورة الأنفال ]
إذًا أيها الإخوة الكرام:
المرأة حينما تصلحُ تصْلُح كلّ أسرتها ، وأنا من خلال دعوتي المتواضعة إلى الله تعالى عندي عشرات الإخوة الأكارم ، بل مئات ، سببُ هدايتهم زوجاتُهم ، فمن آيات الله الدالة على عظمته هذه الزوجة، قال تعالى :
[سورة فصلت ]
[سورة الشورى]
[ سورة الروم ]
المشكلة أنّ المرأة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كانت في مستوى زوجها ، زوجٌ يريد أن يخرج إلى عمله ، تستوقفهُ زوجته وتقول : يا فلان اتّق الله فينا ، نصبرُ على الجوع، ولا نصبر على الحرام ، نحن بك إن اسْتَقَمْتَ اسْتقَمْنا ، وإن اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا ، لسان حال المرأة المعاصرة تضغط على زوجها ، غيّر الطّقم ، وسِّعْ البيت ، واشتر لنا كذا وكذا ، فالضّغط اليومي لا يُحتمل فإذا بالزوج دون أن يشعر يتجرّأ على أخذ المال الحرام ، و يمدّ يده إلى الحرام ، ضغطَتْ عليه حتى أوقعته في الحرام ، لذلك حينما قال الله عز وجل :
[ سورة التغابن ]
قال بعض العلماء : هذه عداوَة مآل ، وليسَت عداوَة حال ، هو يحبّها وتحبّه ولكن حينما يتردى في النار يوم القيامة يرى أنّ سبب تردّيه في النار زوجته ، عندئذ يراها عدوّةً له ، عداوة مآل ، هي زوجته وهو يحبّها ، ولكن حينما ضغطَتْ عليه حتى حملتْهُ على معصيَة رأى أن سبب هلاكه زوجته .
فيا أيها الإخوة :
قضيّة تعليم المرأة وتفقيهها ، وحثّها على طلب العلم ، ومعرفة الله عز وجل شيء أساسيّ جدًّا في حياة المسلمين ، مرَّةً قلتُ لشاب على وشك الزواج ، و قد قال لي : انْصحني ؟ فقلتُ له والله النصيحة ثمنها غالٍ جدًّا ، وتحتاج إلى جهد كبير ، قال نعطيك ، فقلتُ له : لن تسْعَدَ بِزَوجتك - تفاجأ ! - إلا إذا عرّفتها بالله تعالى ، وعرّفتها بمنهج الله، وعرّفتها بحقّ الزوج ، وسعدتْ بمعرفة الله تعالى ، واتّصلَت به ، وذاقَتْ طعم القرب منه، عندئذٍ تُسعدك ، تُسعدك إذا سعِدَتْ بالله تعالى، أما إن لم تسعد بالله أنّى لها أن تسعدك ، بل تُشقيك ، العوام يقول في قضيّة "النَّأْ" ـ يعني المناقرة بين الزوجين ـ ! كلّ يوم ، وكلّ يوم، شيءٌ لا يُحتمل ، فمرّةً اتّفق أحدهم مع زوجته ، وقال لها : يوم نعم ويوم لا ، أريحيني يومًا فقط ، فوافقَتْ ، فأصبحَت تقول له في اليوم الذي ما فيه : غدًا "النَّأ" !!
بيوت المسلمين حينما تقوم على هذا الضّغط تغدو قطعة شقاء ، صدّقوني أيّها الإخوة ولا أبالغ، مرّةً دخلتُ بيتًا في سفح جبل قاسيون، والبيت متواضع جدًّا ، و أرضه ليست مبلطة ، الأثاث بساط فقط ، لا أعرف بماذا شعرتُ ؟ شعرتُ أنّ هذا البيت قطعة من الجنّة، يبدو أنّ هناك وفاق ووُدّ ، ونظافة ، ومحبّة ، فبيتٌ صغير مع المحبّة يصبح جنّة ، أنا أدعوكم إلى العناية بِبُيوتكم ، لأنّ الرجل يعاني متاعب خارج البيت ، والبيت سكَن له ، فإذا وجد ضغطًا بالعمل ، ومشاكل لِكَسب المال ، وعليه دفع ، ولا يوجد قبض ، وعليه ديون ، هذه كلّها هموم، المفروض أن يأتي الإنسان إلى بيته لِيَستريح ، حدّثني طبيب عيون، وما كنتُ أعرف هذه الحقيقة ، وهو أنّ الأصبغة التي في شبكيّة العين، تُستهلك في النهار ، لأنّ أساس العين أن تقوم بنقل الصورة ، تماماً. كنقل الصورة عبر الفضاء ، آلة التصوير في الأستديو عبارة عن عدسة أمامها شخص ، هذا الشخص عليه إضاءة شديدة جدًّا ، صار هذا الشّخص عاكس للضّوء فالمصباح منبع للضّوء ، أما نحن الآن فنعكس الضّوء ، نرى بعضنا بعضًا بالضّوء المنعكس على وُجوهنا ، هذا الإنسان الذي يقف أمام آلة التصوير المعدّة لنقل الصورة عبر الفضاء ، ماذا يحصل معه ؟ ملامح هذا الوجه الذي يعكس ضوء المصابيح يدخل إلى العدسة، ومن العدسة إلى لوحة مَطليّة بمادّة نادرة جدًّا ، هذه المادّة إذا جاءها أثر ضوئي أطلقَت إلكترون ، وكلّما كان الأثر شديدًا ، كان الإطلاق كثيفًا ، فيتشكّل وجه الرّجل على هذه اللّوحة بحسب الإضاءة ، قالوا هناك مدفع إلكتروني يمشي على خطوط يمسحُ هذه الخطوط ، ويرّمم هذه اللّوحة ، لما رمَّمَها أصبح هذا التيار الذي رمّم هذه اللّوحة التي فقدَت بعض إلكتروناتها من خلال أثر الصورة الضوئي ، فهذا التيار المتفاوت الشدّة هو الصورة ، تُبثّ عبر الفضاء ، وتلتقطها أجهزةٌ معاكسةٌ لآلة التصوير ، فترى أنت هذا المذيع مثلاً على الشاشة بآلة معاكسة ، هذه العمليّة معقّدة جدًّا ، وأنا بسَّطتها جدًّا ، لكنّ العين أعقدُ من ذلك ، هناك مئة وثلاثون مليون مخروط وعصيّة ، هذه لها أصبغة كيماويّة ، فإذا جاءها الضّوء فقدَت هذه الأصبغة ألوانها ، وينشأ عن فقد هذه الألوان تيار كهربائي ينتقل هذا التيار إلى الدّماغ ، وإلى مكان الصورة فيرى الإنسان الأشياء أمامه عن طريق تيار كهربائي ، ينتقل من شبكيّة العين إلى مركز الرؤية في الدماغ ، المبدأ ذاته على شكل أعقد بكثير ، فهذه العصيات والمخاريط مع استهلاك أصبغتها ، لابدّ لها من أن ترتاح و أن ترمّم الأصبغة التي فقدتها ، فسألت الطبيب اليوم وقلتُ له كيف نعتني بِعُيوننا ؟ و الجواب بعد قليل ، قال لي مرّة طبيب يختص بالكلية البوليّة ، قلتُ له كيف نعتني بكليتنا ؟ فقال : بشُرب الماء ، فالإنسان عليه أن يشرب باليوم اثنتي عشرة كأسًا ، عطشان أو غير عطشان هذا موضوع آخر ، ولو لم تشعر بحاجة إلى الماء ، هذه أكبر صيانة للكليتين ، وبالمناسبة الناس يتوهّمون أنّ القلب خطير جدًّا ، ولكنّ الكليتين أخطر ، ممكن أن يعيش الإنسان بقلبٍ عليل عشرين سنة أو أكثر ، دارِهِ تعِشْ به ، وأنا أقول طرفة : قلبك وزوجتك ومركبتك دارهن تعش بهن .
فالكليتان لو توقَّفتا عن العمل لتوقّفت الحياة ، ولا يوجد حلّ ، فالكليتان صيانتهما بِشرب الماء، قلت لهذا الطبيب و العين : كيف نصون أعيُننا ؟ فقال : بالغذاء ، لأنّنا في النهار استهلكنا الأصبغة التي في الشبكيّة ، وفي الليل لابدّ من أن ترمّم العين ذاتها ، بأن تعود الأصبغة إلى نسبها العالية ، و ذكر لي فكرة لطيفة ؛ قال فلو أدخلنا إنسانًا إلى مغارة مظلمة، و الضوء معدوم ، و الظلامٌ دامس فالإنسان مبرمج ، ففي ساعات النهار خارج المغارة ، ترميم أصبغة الشبكيّة قليل ، وفي ساعات الليل خارج المغارة ترميم أصبغة الشبكيّة عالٍ جدًّا، فأنت مبرمج، فبعض الهواتف لها برنامج نهاري وليلي ، فأنت في النهار لك ضربات قلب معيّنة ، و لك ضغط معيّن ، ولك طرْح للسكريات معيّن ولك استهلاك للفيتامينات معيّن ، هناك أكثر من خمسين بندًا و لها وضعُها بالنهار ، ووضعها بالليل ، ففي الليل تنخفض ضربات القلب ، وينخفض ضغط الدمّ ، و ينخفض استهلاك السكّر ، فهناك برنامج ليلي ، وآخر نهاري ، وقد عبّروا عنها بساعة الرأس ، الإنسان إذا سافر إلى بلد بعيد كأمريكا مثلاً ، فهو مبرمج على نهار دمشق ، وليل دمشق ، فلمّا سافر عشرين ساعة أصبح النهار ليلاً والليل نهاراً ، يقضي يومين من دون نوم ، لأنّه في الليل تجده مبرمج على نهار دمشق فينام ، وتكون ضربات قلبه كثيرة ، ونشاطه مركّز ، ولا ينام ، تعاد برمجة الأجهزة بأمريكا مرة ثانية حتى ينام ، وكذا عندما يرجع إلى بلده يقضي يومين من دون نوم ، لأنّه لما صار بالشام فهو بالليل ، ولكنّه في أمريكا كان بالنهار ، والله تجد أشياءَ بالجسم تحار لها العقول لدقّة الخَلْق ، فقال هذه العين ، لو وضعنا إنساناً بِمَغارة في وقت الليل يرتفع ترميم الأصبغة ، وفي النهار يضعف ترميم الأصبغة ، و ما هو أكبر عقاب نعاقب به الإنسان؟ أن نجعل له إضاءة شديدة بالليل ، دون أن نضربه ، ودون أن تفديه ، فقط خمسة آلاف شمعة بالليل ، الضوء يُعيق ترميم الأصبغة لذلك من أشدّ أنواع العقوبات أن تجعل المصباح متألّقاً جدًّا في الليل ، قال تعالى :
[ سورة النبأ ]
فالليل يعين على ترميم الأصبغة ، فإذا نام شخص والإضاءة عالية فالأصبغة لا ترمّم ، هذه الإضاءة العالية تُسهم في ضَعف بصره في وقت مبكِّر ، فأنا أنصح ، أصحاب البيوت الذين لديهم إضاءة عالية بالليل ، الإضاءة ليلاً ينبغي أن تكون إلى أقلّ درجة ، كي تترمّم أصبغة العين ، فمن أجل الترميم أيضاً تحتاج إلى غذاء معيّن ، و هناك فيتامينات ، و هناك قاعدة معروفة أنّ الغذاء الجيّد أرخص من الدّواء ، فإذا شخص أهمل غذاءه فسيضطرّ إلى أن يمرض ، وإذا مرض فسيدْفع ثمن الدواء غالياً ، وقد يكون عشرة أضعاف ، فإذا أكلت مثلاً خُضارًا رخيصة ، كاللّفت والفجل ، و البصل ، و الفليفلة ، فهذه كلّها فيتامينات ، فأنت إذا أعرضْت عن أكل هذه الخضار ، ستضْطرّ لشراء دواء ثمنه ستّة مئة أو سبع مئة ليرة ، و أعود و أكرر فالكلية صيانتها شرب الماء ، والعين صيانتها بالغذاء والنوم الكافي والظلام في الليل ، ظلمة الليل والنوم الكافي ، والعناية بالغذاء ، وخلال عدّة دروس ذكرتُ لكم أنّ هناك هرماً للغذاء ، فأكبر قاعدة الحبوب ، وثاني قاعدة الخضار والفواكه ، وأقلّها اللّحوم ، فالناس إذا كانوا في بحبوحة أكثروا من أكل اللّحوم ، فهل تصدّقون أنّ أمراض القلب والأوعية في بلاد الغرب الغنيّة ثمانية أضعاف البلاد الفقيرة ، وهناك أشياء بالطبّ دقيقة، فإذا الإنسان ما مضغَ ، يتراجع عظم الفكّ ، الآن اشرب عصيراً و كل أكلاً رخواً ، فتقل حركةُ الهضم ، أعلى نسب بمرض السرطان الكولون موجودة باليابان ، لأنّ جلّ أكلهم عصير ومسحوق ومهروس ، ومطبوخ ، ومن دون جهد ، والحقيقة أنّ بذْل الجهد أساسي لصِحّة الإنسان ، قال لي مرّة طبيب أن صحّة أجدادنا ، وقوّة بنْيتهم الجهد العضلي العالي ، ومع هذا الجهد راحة نفسيّة عالية جدًّا ، أحد أسباب شيوع المرض في هذا العصر أن الجهد العضلي قلَّ جداً ، إذ تجد في كلّ بيت مريضَين أو ثلاثة ، مرّة دعاني هذا إلى أن أقول : هذه وجبة ستوك ! عجيب لهذا الأمر فلا يخلو بيت من مريضين أو ثلاثة ، ولا توجد بنية قويّة ، وهذا يُعزى إلى الكسل العضلي، وإلى الشدّة النفسيّة، أجدادنا والسّلف الصالح كانت لهم راحة نفسيّة ، وجهد عضلي عالٍ ، فالمركبة الآن مريحة ، ولكن تجلبُ أمراض القلب والكبد والكليتين ، حدّثني أخ جاء من أمريكا فقال لي : رأيتُ برنامجًا هناك مفادُهُ أنّ ركوب الخيل يدفع عن الإنسان أمراض القلب والكبد والكليتين، وذلك عن طريق الاهتزاز ، أما هذا المقعد مريح ، والطريق المعبّد ، والراحة التامّة هي أحد مشكلات العصر ، فكلامنا كله يدور حول أنّ الليل سكَن ، والنهار معاش ، وأنّ العناية بالعين تحتاج إلى نوم ، وإلى ظلام وإلى عناية بالغذاء ، وهذا قادنا إلى أنّ البيت المسلم فيه وُدّ ، وحبّ ، وصحّة نفسيّة ، وأنا لا أذكر كلمة عن الغنى والفقر ، فقد تكون بأدنى درجة اجتماعيًّا واقتصاديًّا ، لكنك بأعلى درجة من السعادة ، وقد تكون بأعلى درجة من الشقاء ، مع أنك بأعلى درجة من النواحي المالية .
أيها الإخوة :
فالمرأة لها دورٌ خطير جدًّا في تربية الأولاد ، المرأة الجاهلة ماذا تقول لزوجها ؟ فلو كانت عقيماً لا تنْجب ، والزوج أراد الولد ، فرغِبَ أن يتزوَّج امرأةً ثانية كي تنجب له أولادًا ، تقول له الأولى ؛ إما أن تطلّقني وإما أن تبقى من دون زوجة ثانية ، هذه فيها قليل من الدِّين ، و لكن قد تقول له امرأة أخرى : اذْهب وازن ولا تتزوّج !! إلى هذه الدرجة ، وهذه كلمات تقولها النساء الجاهلات .
من أخطاء النساء المسلمات عدم العناية بتربية أولادهنّ ، لا تنتبه لنفسها تخرج أثناء غيبة زوجها من البيت ، ويأتي زوجها وعلى مسْمعٍ من ابنتها تقول له إن سألها : لم أذهب إلى أيّ مكان ! فالبنت ترى أن أمّها تكذب على أبيها ، و الطّفل يتشرَّب الكذب من أمّه وأبيه ، والنبي علّمنا ، إذ كان مرة عليه الصلاة والسلام في بيت أحد أصحابه ، فقالت الأمّ لابنها : تعال ، هاكَ ، تعال خُذ ، وبيدها شيء ، فقال عليه الصلاة والسلام : ماذا أردت أن تُعطيه ؟ قالت : تمرة ، فقال عليه الصلاة والسلام : أما إنّك لو لمْ تفعلي لعُدَّتْ عليك كِذبة.
ذات مرّة حدّثني أخ ، و تألّمتُ أشدّ الألم لحَال المسلمين ، قال لي : والدتي من بلاد أمريكا الشماليّة ، وكانت مع ابنها ، أعطتْهُ سكّرة فأكلها ، وطلبتْ منه أن يرمي غلاف السكّرة في حاوية تبعد ثلاث مئة متر ! فالنظافة تحتاج إلى تربية ، وكذا الصّدق والأمانة والحياء ، كلّ هذا يحتاج إلى أمّ منتبهة ، فإذا الأمّ كان همّها الزيارات واللّقاءات ، والحديث الفارغ ، وأولادها في الطرقات فهؤلاء أولاد أيتام ، نحن نفهم اليُتم من لا أب ولا أم له ، ولكن اليتيم من يجد أمًّا تخلّت ، أو أبًا مشغولاً ، هذا هو اليتيم الحقيقيّ .
من أخطاء الزوجات طلب الطلاق من غير بأس ، وأيّما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس لم ترح رائحة الجنّة ، أنا أقول لكم هذه الكلمة الدقيقة ، الزواج نعمة ، فهناك زوج يكفرُ نعمة الزواج ، لأتْفه سبب يقسو على زوجته ، لأتفه سبب يُرسلها إلى بيت أهلها، مثل هذا الزوج يكفرُ نعمة الزواج وهناك زوجة لأتفه سبب تقول : طلِّقني ! أنا لستُ مبسوطة عندك ، وهناك امرأة تتمنّى زوجًا و لو كان دونها بكثير، مرَّةً وقع تحت يدي كتاب مؤلّفته أديبة من أديبات مصر ، الكتاب فيه عشرون أو ثلاثون قصّة ، لنِساء تفوَّقْن في الدراسة ، وفاتهنّ قطار الزواج ، فَعِشْنَ آلامًا لا تنتهي ، ذلك أنّ توجيه البيت كان غير مهتمّ بالزواج ، و يهتم بالدراسة فقط !! نحن مع العلم ، ولكن حينما يأتي من نرضى دينه وخُلقه ، فيجب أن نزوّجه والأصل الزواج ، فحينما تهملُ شأن زواجها ، وتسعى إلى نيل مرتبة عالية جدًّا، ثمّ تكتشف أنّ كيان المرأة بِزَواجها ، وفي تربية أولادها ، وفاتها قطار الزواج ، وكانت تحتقر الزواج ، وتردّ على الخاطبين بكلمات قاسية ، وهي مُعتدّة بدِراستها و بمكانتها الاجتماعيّة فهذه بعد حينٍ تعضّ على أصابعها ندمًا ، لذا يجب أن نوجّه البنات إلى أنّ خيرَ ما يضمن مستقبل المرأة أن يتزوّجها شابّ مؤمن ، وإلا فإن العزوف عن الزواج بدعةٌ من بدَع المجتمع الإسلاميّ ، كِبْر واستعلاء ورغبة بالتفوّق ، وعزوف عن الزواج ، ولكن حينما تكتشف هذه المرأة أن كيانها و مستقبلها بِزَوجها وأولادها تندم و لات ساعة مندم ، بل إنّ النبي عليه الصلاة والسلام سئل : من أعظم الناس حقًّا على المرأة ؟ قال : زوجها ، قال فمن أعظم النّاس حقّا على الرجل ؟ قال: أمّه ، فأعظم امرأة في حياة الإنسان أمّك وأعظم إنسان في حياة امرأة : زوجها .
هناك خطأ من أخطاء الزوجات ، وهو أنّه لا سِرَّ بينها وبين زوجها كلّ ما بينها وبين زوجها تعرفه أمها و أختها وخالتها وعمّتها ، هذا الزوج مفضوحٌ دائمًا ، أيّ شيء يفعله تشيعه عنه ، تأتي أختها فتعطيها قائمة ، هكذا فعل وكذا وكذا ... النبي عليه الصلاة والسلام مدَح المرأة المسلمة وقال : إنّها سِتِّيرة ، والمرأة غير المسلمة الفاسقة تجدها فضّاحة ، أجل : المسلمة ستِّيرة والله مرّة كان إنسان سويًّا فأصبح له لوثة في عقله ، هذا أصبح وضعه بالبـيت خطير ، و له زوجة دون العشرين ، وبقي بهذه الحال أكثر من سنتين، المفاجأة التي فوجئتُ بها أنّ أهلها لا يعلمون شيئًا ، فزوجها أصبح بالبيت مخيفًا ، فحِفاظًا على سمعته ومكانته ، لم تَبُح لهذا لأحد ، والله هناك نساء على مستوى عالٍ من الحكمة ، لكن أخريات يطلبن الطلاق من غير بأسٍ فهذه نقيصة للمرأة ، لأنّها بهذا تكفر نعمة الزوج ، ونشْرُ ما يدور بين الزوجين من أحاديث وخلافات وأسرار طبعاً نقيصة كبيرة ، أما الشيء الذي لا يقبل هو ما يجري بينها وبين زوجها في المعاشرة الزوجية ، وكأنّ شيطانًا قاربَ شيطانةً على عرض الطريق ، هذه التي تفشي سرّ ما بينها وبين زوجها في العلاقة الحميمة ، فيبدو للآخرين كأنّ زوجها يقاربها على قارعة الطريق ، وقد نبّه النبي عليه الصلاة والسلام على عظم هذه المخالفة .
و من المخالفات أيضًا صيام التطوّع من دون إذْن الزوج ، فهذه مخالفة تقع بها بعض النساء في شأن العبادات ، يقول عليه الصلاة والسلام : لا يحِلّ لامرأة أن تصوم وزوجها شاهدٌ إلا بإذنه .
فهذا يتعلق بصيام النّفل وليس الفرض ، لأنّ في الفرض لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
أيها الإخوة التساهل في اختيار الزوج للفتيات من غير المؤمنين الصادقين هي مشكلة كبيرة ، يروون أنّ إنساناً جاءَهُ خاطب لابنته ، قال له الأب : يا ابني هل عندك بيت ؟ قال له : نعم ، فقال الأب : أريد أوراقه ، أبٌ فطِن للدنيا ، فأعطاه أوراق البيت ، فقال الأب : ماذا تشتغل ؟ قال : عندي معمل ، فقال الأب : أريد سجلّه الصناعي فأتى به، ثم قال : هل عندك سيارة ؟ قال: نعم ، فقال : أريد أوراقها ، ما ترك قضيّة إلا و تأكّد منها ، فوافق الأب ، وأصبح الشاب خاطبًا لابنته ، وصار هذا الرجل يدخل بيته ، ومرّة زاره بمحله التّجاري ، وقال للحاضرين هذا صهري ، فأحد الجلوس اندهشَ ! لماذا ؟ لأنّ ذاك الشاب لم يكن مسلمًا !!! فلما بحث معه الموضوع قال : لقد سألتني عن كلّ شيء إلا عن ديني !! قد تكون القصّة مبالغ بها لكنها تحمل العبرة الكاملة .
مرّةً كنت أمشي ببعض الأسواق ، فدعاني أحدهم لدخول متجره ، و استشارني في قضيّة ، قال لي : هناك شابّ خطب ابنتي ، وهو جيّد ، شكله مقبول ، وله معمل ، ووضعه المادّي جيّد جدًّا ، ولكن دينه رقيق فماذا أعمل ؟ فقلتُ له : أنت تقرأ القرآن ؟ فقال: نعم ، فقلتُ له : إذا انتهيت من التلاوة ماذا تقول ؟ قال : أقول صدق الله العظيم ، فقلتُ له: يقول الله عز وجل:
[ سورة البقرة ]
و انتهت الزيارة و غادرت .
ثمّ بلغني أنّه زوّجه ابنته ، وبعد سبعة عشرة يومًا طُلِّقَتْ ! هل نطمعُ بإنسانٍ دُنياه عريضة ودينه رقيق ! هذه مشكلة كبيرة جدًّا ، وهذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام فاسمعوه فعن أبي هُرَيرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّم:
"إذا خطبَ إليكُمْ من ترضونَ دينهُ وخلقهُ، فزوِّجوهُ. إلاَّ تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ .
[ رواه الترمذي ]
لأنّ الشاب المؤمن يغنيه الله ، أما الشاب الفاسق فمآله إلى الدمار، وهذا الموضوع مهمّ سنُتابع الحديث عنه في درس ثالث وأخير .
والحمد لله رب العالمين
الجمعة يونيو 18, 2010 3:57 pm من طرف امير العذاب