بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
تذكير وتمهيد
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس العاشر من دروس الزواج ، وهو الدرس الأخير من هذه السلسلة التي تعني معظم المسلمين شباباً وشاباتٍ ومتزوجين .
ذكرت لكم في دروسٍ سابقة أن الزواج الإسلامي فيه عوامل استمراره ، وأن الزواج غير الإسلامي فيه عوامل انهدامه ، وذكرت لكم الشروط التي يمكن أن تكون سبباً في ديمومة الزواج ، وكما قلت في درسٍ سابق : العالم الإسلامي على تقصيره ، وعلى تفلّته من معظم منهج الله عزَّ وجل ، إلا أنه يحافظ على نسبٍ منخفضة من الطلاق ، وقد ذكرت لكم الرقم الذي بُيِّن في درسٍ سابق ، فنسب الطلاق في مجتمعات أمريكا 62 بالمئة ، و36 بالمئة في المجتمعات الأوروبية ، و3 من الألف في المجتمعات الإسلامية ، هذا دليل أن المسلم حينما يتزوج إذا طبق بعضاً من منهج الله يقطف ثماره ديمومةً في زواجه ، أما إذا طُبقت تعليمات الخالق كلّها فهذا شيءٌ يضمن للزواج أن يقطف الإنسان ثماره ، وأن يستمر هذا الزواج .
الدرس الماضي كان حول الشروط التي على المرأة أن تقوم بها لتكون سبباً في ديمومة الزواج ، واليوم ماذا على الرجل أن يفعل من أجل أن يسعد في زواجه ؟ .
الآداب التي تجب على الرجل أن يراعيها حفاظاً على العلاقة الزوجية
أيها الإخوة الكرام ، النبي عليه الصلاة والسلام ورد عنه :
(( أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ )) .
[أحمد]
أي مستحيل بعد أن جاءت الدعوة الإسلامية أن ينشأ في العالم الإسلامي عبادة أصنام ، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ : يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا ، وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَشَهْوَةً خَفِيَّةً )) .
[ابن ماجه]
إن موضوع الأصنام انتهى مع مجيء الدعوة الإسلامية ، فالشيطان يئس أن يعبد في أرضكم ، ولكن رضي فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم .
مثلا : هناك بيت فيه عشرات الأجهزة الكهربائية ، الخط الرئيسي مقطوع بقدر ميليمتر أو سنتيمتر ، أو 10سنتيمتر ، أو متر ، أو خمسة أمتار ، فالنتيجة واحدة ، (( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ )) .
ولكن رضي فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم ، في الأعم الأغلب المسلم لا يسرق ، ولا يزني ، ولا يشرب الخمر ، فما الذي يبعده عن الله عزَّ وجل ؟ ما يتوهم أنه صغائر ، وهذه الصغائر لو أصرَّ عليها انقلبت إلى كبائر ، انقلبت إلى كبائر حكماً ، لأنها تلتقي مع الكبائر في قطع الإنسان عن الله عزَّ وجل .
أحياناً لا يحتاج هذا الدين العظيم إلى توضيحٍ شديد ، هو واضح جدًّا ، نحن عقَّدنا هذا الدين ، هو أعظم وأجلُّ من أن يكون معقَّدا ، القضية في الدين أنه إذا صحت عقيدتك ، واتصل قلبك بالله قطفت ثمار الدين ، صحة العقيدة تحتاج إلى شيئين ؛ إلى طلب علمٍ ، وإلى تفكرٍ في خلق السماوات والأرض ، وصحة الوجهة تحتاج إلى استقامة ، لكن هناك نشاطات إسلامية كثيرة ، كقولهم : فلان فكره إسلامي ، وفلان مشاعره إسلامية ، وفلان مهتم بقضايا المسلمين في العالم ، فلان مهتم بالتأليف الإسلامي ، فلان مهتم بالمشاريع الإسلامية ، هذه النشاطات الإسلامية على جلالة قدرها بمجموعها من دون استقامةٍ تامة لا تنهض لتكون سبباً لقطف ثمار الدين ، لأنّ قطف ثمار الدين تحتاج إلى صحة عقيدة ، وإلى استقامة ، لذلك : ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعةٍ من مُخلِّط .
1– غضُّ البصر
فالزوج الذي يتمنى أن يسعد بزوجته ، وأن تسعد به زوجته ، والزوج الذي يتمنى أن يدوم هذا الزواج ، وأن تتنامى العلاقة بين الزوجين على مرِّ الأيام والشهور ، هذا الزوج عليه أن يغضَّ بصره عن محارم الله ، لأن الإنسان إذا أطلق بصره دفع الثمن باهظاً ، دائماً يجب أن تعتقد أن بين الطاعة ونتائجها علاقةٌ علمية ، وأن بين المعصية ونتائجها علاقةً علمية ، هذه العلاقة إطلاق البصر يؤدِّي إلى فساد ذات البين ، وغضُّ البصر يؤدي إلى الموافقة فيما بين الزوجين ، يا ترى هل غض البصر وحده يؤدي إلى هذه السعادة ؟ أم أن العناية الإلهية تتدخل لهذا الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى :
( سورة النازعات )
الأدلة على تحريم نظر الرجل إلى المرأة والمرأة إلى الرجل
فيلقي في قلب الزوجة حبَّ زوجها ، ويلقي في قلب الزوج حبَّ زوجته ، إما أن غض البصر وحده يعدُّ سبباً كافياً ، على اعتبار أن الإنسان ليس في عالمه إلا زوجته ، أو أن العناية الإلهية تتدخل تدخلاً مباشراً لتلقي في قلب كلٍ من الطرفين حبَّ الطرف الآخر ، وليس غريباً أن تنفرد آيةٌ كريمةٌ في كتاب الله واضحة الدلالة ، تشير إلى غض البصر:
( سورة النور : آية " 30 " )
أي أن الزوج الذي يتمنى أن تستمر سعادته الزوجية ، وأن تتنامى ، عليه أن يغض بصره عن محارم الله ، وقلت لكم من قبل أشياء كثيرة في هذا المعنى ، أن الله سبحانه وتعالى جلَّت حكمته ، شرعه أو بعض بنود شرعه يتوافق مع القوانين الوضعية ، فإذا كفَّ الإنسان نفسه عن السرقة ، ربما كفَّ نفسه عن السرقة خوفاً من الله تعالى ، وربما كفَّها خوفاً من عقاب القانون الذي لا يرحم أحياناً ، لكن شاءت حكمة الله أيضاً ، أن ينفرد الدين بأوامر ليس في الأرض كلّها تشريعٌ يحظرها أو يمنعها ، كالنظر إلى النساء ، لا في القوانين القديمة ، ولا الحديثة ، لا المتقدمة ولا المتخلفة ، لا قبل مجيء السيد المسيح ، ولا بعده مجيئه ، موضوع إطلاق البصر وغض البصر ما تدخلت به القوانين إطلاقاً ، فهذا الذي يغضُّ بصره عن محارم الله ، هل تستطيع أن تفسر عملّه هذا خوفاً من القانون ؟ هذا مستحيل ، لا يفسر غض البصر إلا إخلاصاً لله عزَّ وجل وإلا خوفاً منه .
فأنا قلت لكم سابقاً : إن الإنسان يصلي في اليوم خمس مرات ، لكن إذا سار في طريقٍ ، وغض بصره غضاً حازماً ، مع كلِّ نظرةٍ صرفها عن محاسن امرأةٍ أجنبيةٍ يرقى بها عند الله ، فكما أن الله عزَّ وجل جعل لك الصلوات الخمس مناسباتٍ تتصل بها بالله عزَّ وجل ، جعل لك غض البصر منسباتٍ عديدةً جداً تتصل بالله عزَّ وجل فيما بين الصلوات .
لذلك ما من دعوةٍ إلى الله تهمل غض البصر إلا وقعت في مطبٍ كبير ، ما هو هذا المطب ؟ أن الإنسان إذا أطلق بصره حجب عن ربه ، فإذا حُجب عن ربه ، شعر أن عبادته اقتربت من أن تكون جوفاء ، شعر أن الصلاة لا طعم لها ، وأن تلاوة القرآن لا طعم لها ، وأن ذكره ليس له مردودٌ في قلبه ، فلذلك إذا أراد الزوج أن يسعد بزوجته فعليه أن يغض بصره عن محارم الله ، تنفيذاً لأمرٍ قرآنيٍ قطعي الدلالة :
( سورة النور : آية " 30 " )
طبعاً الشريعة متكاملة ، أمرت النساء بالتحجُّب ، لكن لو أن النساء لم يأتمرن بهذا الأمر ، ماذا يفعل الرجل ؟ أُمِر بغض البصر ، لأنّ غض البصر يصلح في مجتمع منضبط ومجتمع متخلف ، فإذا تفلَّت المجتمع فغض البصر هو الرد الحقيقي على طريقٍ ممتلئ بالنساء الكاسيات العاريات ، قال تعالى :
( سورة النور )
معاني قوله تعالى : أبصارهم
لكن كلام الله عزَّ وجل يأخذ بالألباب في كلمة ( مِنْ ) في قوله :
المعنى الأول :
لو الله عزَّ وجل قال : قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم ، معنى ذلك لا يصح لرجلٍ أن ينظر إلى أنثى كائنةً من كانت ، قل للمؤمنين يغضوا أي أن هناك نساء لك أن تنظر إليهن ، كالزوجة ، والأم والأخت والبنت ، والعمة والخالة ، وبنت الأخ وبنت الأخت ، هؤلاء هن المحارم ، فأنت تغض بصرك ، أي تغض من بصرك ، تغضُّ بعض بصرك عن النساء الأجنبيات ، ولك أن تنظر ببصرك إلى النساء المحارم ، هذا أول معنى من معاني ( من ) .
المعنى الثاني :
أنك إذا نظرت إلى من أحلَّ الله لك أن تنظر إليه فيجب أن تغض من بصرك ، أي ألاّ تحدق في التفاصيل ، ألاّ تدقق في الخطوط ، ألاّ تتصور ما وراء هذا الحجاب ، أو ما وراء هذه الثياب ، هذا من أدب المسلم في نظره إلى محارمه ، وهناك أناس لا يعرفون حدود الشرع ، فأخته مثلاً لها حرمة ، لك أن تجلس معها ، ولك أن تأكل معها ، ولك أن تسكن معها في بيت ، لكن بثياب محتشمة سموها ثياب الخدمة ، أي لا يقصر الكمُّ عن المرفق ، ولا تنزل فتحة الثوب عن الصدر ، ولا يرتفع الثوب عن الركبة ، هذه ثياب الخدمة ، وإذا نظرت إلى المحارم فانظر بعض النظر ، نظرة إجمالية من دون تدقيق ، وبدون تفحُّص ، ومن دون تركيز على الجزئيات هذا معنى ( من ) .
المعنى الثالث :
أي أنهم إذا نظروا إلى امرأةٍ أجنبيةٍ فجأةً هناك منعطف ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَأَمَرَنِي فَقَالَ :
(( اصْرِفْ بَصَرَكَ )) .
[احمد]
هو نظر بعض النظر ، وغض بصره فوراً ، هذا هو المعنى الثالث .
عندنا تبعيض نوعي ، وتبعيض كيفي ، وتبعيض فُجائي ، التبعيض النوعي لك أن تنظر إلى المحارم ، وعليك أن تغض البصر عما سواهن ، التبعيض الكيفي إذا نظرت إلى المحارم فينبغي أن يكون النظر معتدلاً ، المعنى الثالث : أنّك إذا نظرت فجأةً إلى امرأةٍ أجنبية فعليك أن تصرف عنها بصرك فوراً ، أما أن تأتي الآية الأولى :
أتى غض البصر قبل حفظ الفرج ، هذا الترتيب ترتيب سببي ، أي سبب حفظ الفرج هو غض البصر ، وحفظ الفرج نتيجة ، أما التعليل :
( سورة النور : آية " 30 " )
أطهر ، أرقى ، أصفى ، أنجى ، أتقى :
يمكن للإنسان أن يوهم الآخرين أنه يغض بصره ، لكن الله وحده يعلم خائنة الأعين :
يمكن أن توهم من حولك من الملتزمين أنك تغض البصر ، فإذا التفتوا إلى جهةٍ ، أنت نظرت إلى جهةٍ التي لم تكن تنظر إليها من قبل ، فهذا الاختلاس ممكن ، كما أنه يمكن للطبيب وقد سمح له أن ينظر إلى جسد المرأة بحكم الضرورة يمكن أن ينظر إلى مكانٍ لا تشكو منه المرأة ، هذه اسمها خائنة الأعين :
( سورة غافر )
فموضوع غض البصر مؤشر دقيق لمراقبتك لله عزَّ وجل ، والحقيقة واللهِ أيها الإخوة يجوز لأحدكم أن يقول : نحن يبالغ في هذا الموضوع ، الآن سأسمعكم أقوال العلماء الكبار حول هذا الموضوع .
إنّ غض البصر طريقٌ قصيرٌ إلى الله عزَّ وجل ، طريقٌ قصيرٌ إلى أن يعمر القلب إلى ذكر الله ، ماذا يقول الإمام القرطبي في تفسيره الشهير الجامع لأحكام القرآن حول هذه الآية ؟ يقول : " هو الباب الأكبر إلى القلب " ، أي إذا أردت باباً واسعاً يدخل منه النور إلى قلبك فهو غض البصر ، " وأعمر طرق الحواس إليه " ، عندك خمس حواس ، العين حينما تغض بصرها تعمِّر القلب بالقرب من الله ، غض البصر يعمِّر القلب ، هذا رأي الإمام القرطبي في غض البصر ، والتجربة أكبر برهان ، فنحن على أبواب رمضان ، فإذا بالغ الإنسان في غض بصره ، وأداء صلواته ، وضبط لسانه ، وأنا هذه أذكرها كثيراً : ضبط الدخل ، ضبط الإنفاق ، ضبط الجوارح ، ضبط اللسان ، أداء الصلوات ، قراءة القرآن ، لا تشعر إلا وأنك تحلق في أجواء القرب الإلهي .
ويقول الإمام القرطبي أيضاً : " والبصر يكثر السقوط من جهته ، ويجب التحذير منه " ، كما أن هذه الحاسة حاسة البصر تعمر القلب بالقرب من الله ، وهي آكد الطرق إلى القلب ، هي المزلة والسقوط التي تودي بالقلب إلى البعد عن الله عزَّ وجل .
ويقول عالمٌ آخر في شأن غض البصر : " النظر داعيةٌ إلى فساد القلب ".
وقال بعض السلف : " النظر سهم سُمٍ إلى القلب ".
والنبي الكريم e يقول :
(( النظرة سهمٌ مسموم من سهام إبليس )) .
[الترغيب والترهيب للمنذري بسند فيه ضعف]
وروعة الحديث أن هذا السهم مسموم ، لأن الإنسان إذا طعن بسهمٍ غير مسموم تأثر مكان الطعن فقط ، أما إذا طعن بسهمٍ مسموم سرى السم في كل أعضاء الجسم ، لذلك إذا أطلق الإنسان بصره تضطرب دراسته ، وتضطرب أسرته ، ويضطرب عمله ، ويضطرب مزاجه ، وتضطرب أعضاؤه ، لأنه تتسمم لأن (( النظرة سهمٌ مسموم من سهام إبليس )) .
فأنا أرى أن كلَّ إنسان له مأخذ أو نقطة ضعف يؤخذ منها ، وأن الشباب وغير الشباب في زمن الفتنة أكبر مأخذٍ يؤخذون منه ، وأكبر مزلة قدمٍ يزلّون فيها موضوع البصر ، ومن لوازم المؤمن غض بصره عن محارم الله ، لذلك أمر الشرع الحنيف بحفظ الفروج ، كما أمر بغض الأبصار ، وجعل غض الأبصار ثمناً لحفظ الفروج .
وقال الشيخ القاسمي في تفسيره لهذه الآية : " النظر بريد الزنا ، وغض البصر من أجل الأدوية لعلاج القلب ، وفيه حسمٌ لمادته ".
إذا نشأت مع الإنسان مشاحنة أحياناً ، أو نفور أو تباغض فلعله تساهل في هذه العبادة ، عبادة غض البصر ، فكان العقاب العاجل هذه المشاحنة ، وتلك البغضاء بين الزوجين ، لأن الإمام الشعراني يقول : " أنا أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي " .
ويقول ابن كثير في تفسيره للآية :
" أي ذلك أطهر لقلوبهم ، وأتقى لدينهم ، كما قيل : من حفظ بصره أورثه الله نوراً في بصيرته " .
هناك بصر وهناك بصيرة " من حفظ بصره أورثه الله نوراً في بصيرته "
دائماً هناك لذات قريبة ، وهناك سعادة متنامية ، اللذات القريبة إذا ضحَّيت بها كسبت السعادة المتنامية ، والسعادة المتنامية تضيع منك إذا آثرت عليها اللذات القريبة ، وأنا أرجح أن أسمِّي اللذة الناتجة عن عضوٍ حسي ، واللذة العابرة التي تنتهي بكآبةٍ وضيق ، أن أسميها لذةً ، ولا أسميها سعادةً ، والسعادة الناشئة عن اتصال الإنسان بالله عزَّ وجل ، وعن استقراره وسكينته ، هذه السعادة المتنامية أنا أفضل أن أسميها سعادة لا لذة ، السعادة تعني أنه يغلب عليها الطابع النفسي ، وطابع الديمومة ، وطابع التنامي " النماء " ، واللذة يغلّب عليها الطابع الحسي ، وطابع الانقطاع ، وطابع الانكماش .
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلَاوَتَهَا )) .
[أحمد]
عندنا مقياس ، هل تشعر بحلاوةٍ تذوق طعمها عند غض البصر ؟ قد يشعر الإنسان بقيمته الإنسانية ، وبقوة إرادته ، أحياناً تتوهم المرأة وهي جاهلة أن معها سلاحاً قوياً ضد الرجل ، طبعاً أقصد الأجنبية ، أما إذا رأت إنساناً لا ينظر إليها اعتراها الفشل والحزن .
كنت في الحج قبل عدة أعوام ، فأُشيرَ إلى شابٍ ألماني مسلمٍ ، حُدِّثنا عن سبب إسلامه ؛ أن هذا الشاب هو ليس شاباً بل هو كهل ، أن هذا الإنسان الألماني له بيت في مدينة في ألمانيا ، وجاءه طالب من سورية سكن في إحدى غرف البيت ، وفي هذا البيت فتاةٌ جميلة هي ابنته ، وبحسب قيم هؤلاء وعاداتهم وتقاليدهم ، ليس عنده ما يمنع من أن تكون هناك علاقة بين هذا الشاب الضيف وفتاته ، لكن الذي لفت نظر هذا الإنسان أن هذا الشاب تمنى أن يضبطه مرةً واحدة ينظر إلى ابنته ، مرة أو مرتين ، أو أسبوعًا أو أسبوعين ، أو في أوقات منتظمة أو غير منتظمة ، لكن هذا الشاب يغض بصره غضاً حازماً ، وهذا نموذج نادر وغير مألوف هناك ، فلا مانع لديه في أن يكون هناك مودة أو لقاء بينه وبين ابنته ، فلما جلس إليه ليناقشه قال : هكذا ديننا أمرنا بغض البصر ، وبعد مناقشاتٍ طويلة ، كان إسلام صاحب البيت على يد هذا الشاب ، وقد رأيناه في الحج ، فالانسياق مع الشهوة لا تحتاج إلى بطولة أبداً ، فأي إنسان مهما كان مستواه منخفضًا فانطلاقه مع شهواته قضيةٌ لا تكلّفه شيئاً ، بل تمتعه ، لكن البطولة أن تكفَّ نفسك عن شهوةٍ حرمها الله عليك .
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلاوَتَهَا )) .
وقد روى الإمام مسلم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي )) .
هذه أيضاً من معاني ( من ) .
أحياناً يكون في الطريق منعطف حادٌّ ، فينعطف الإنسان ، فإذا بامرأةٌ أمامه ، يفتح الباب فيجد امرأة أمامه ، وفي أحيان كثيرة يشاهد امرأةً أمامه ، فالأمر الإلهي أن يغض بصره ، أما ما روي عَنْ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ قَالَ :
(( يَا عَلِيُّ ، لَا تُتْبِعْ النَّظرَةَ النَّظْرَةَ ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ )) .
[الترمذي]
الأولى أقلّ من ثانية ، أما عشر ثوان فلا !! هذه عشر نظرات .
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا ، وَالْقَلْبُ يَهْوَى ، وَيَتَمَنَّى ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ )) .
[مسلم]
يعني بالنصيب هنا تبعة هذا العمل ، فأيُّ عملٍ من هذه الأعمال ؛ زنا العين ، زنا الأذن ، زنا اليد ، الرجل ، القلب ، زنا الفرج ، أي نوعٍ من أنواع الزنا ، كتب على الإنسان تحمُّل تبعته ، أي عقابه ، فالمعنى ليس جبرياً ، بل المعنى ردعي ، انتبه لهذا ، فكل هذه الأنواع كتب عليك تحمل عقابها ، هذا هو المعنى الصحيح .
لكن الذي يلفت النظر في هذا الحديث أن أنواع الزنا كثيرة ؛ العين ، والأذن ، واللسان واليد ، والرجل ، والقلب ، والفرج ، بماذا بدأ النبي عليه الصلاة والسلام ؟ بدأ بالعين ، لأنها هي الأصل ، منها تنطلق بقية الخطوات .
والحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلَاوَتَهَا )) .
[احمد]
هذا كما قلت قبل قليل : النظرة سهمٌ مسموم من سهام إبليس ، وإبليس كما تعلمون طلاعٌ رصّاد ، وما هو من فخوخه بأوثق لصيده في الأتقياء من النساء ، لذلك اتقوا النساء فإنهن حبائل الشيطان .
وقد أَلِفَ بعض المسلمين أن ينصاعوا إلى الله في هذه العبادة بالذات في رمضان ، ولكن إذا عادوا إلى ما هم عليه بعد رمضان ، فكانت حياتهم كهذه الحركة ، صعود وهبوط إلى أن يأتي الأجل والمحصلة صفر .
أما المؤمن فإنه يصعد في رمضان ، ويحافظ على هذا الصعود طوال العام ، وفي رمضان الثاني له صعود آخر ، ثم صعود ثانٍ ، وثالث ، ورابع ، وخامس ، فالمؤمن تتصاعد مرتبته في الإيمان ، ويتابع الترقي ، أما ضعيف الإيمان فيُدافع التدني ، هناك فرقٌ كبير بين متابعة الترقي ومدافعة التدني ، دائماً يخطئ ويتوب ، ويخطئ ويتوب ، ويتوب ويخطئ ، والمحصلة صفر ، فهو يراوح مكانه ، فلا يوجد تقدم ، فالذي أرجوه من الله جلَّ جلاله أن كل شيء في رمضان قدرت على نفسك به ، أن تحافظ عليه بعد رمضان ، كما حافظت عليه في أثناء رمضان .
2– عدم لمسِ الرجلِ المرأةَ الأجنبيةَ
الباب الثاني في الدرس : الأمر باجتناب لمس المرأة الأجنبية ، فالنظر انتهينا منه ، وأنا لا أبالغ أن هناك مدرسة في الإسلام اسمها مدرسة غض البصر ، مدرسة فيها آية صريحة ، آية بكاملها واضحة الدلالة جداً ، تأمر المؤمن بغض البصر ، معنى ذلك أن أكثر أغلاطه ، وأكثر مشكلاته إذا لم يطبِّق هذه الآية مبعثها من هذا القبيل .
لقد حرَّمت الشريعة الإسلامية اختلاط النساء بالرجال ، لهذا أُمرت النساء بالابتعاد عن مواضع الاختلاط .
[سورة القصص]
بنات سيدنا شعيب لا يزاحمن الرجال في سقي الغنم .
روى الإمام البيهقي عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال :
(( لأن يطعَن أحدكم رأس أحدكم بمخيطٍ من حديدٍ خيرٌ له من أن يمسَّ امرأةً لا تحلّ له )) .
إن كلام النبي e لا ينطق عن الهوى ، فأنا ألاحظ بعض الصيادلة يضعون صحنًا ، فإذا أرادوا أن يعطوا امرأةً بقية ثمن الدواء يضعون المبلغ على الصحن ، فلا ينبغي أن تلمس يدك يد امرأةٍ أجنبية ، هذا الأكمل ، وهذا الشرع ، وسأسرد عليكم الأحاديث المؤيدة لهذا .
أذكر قصة أظن أني رويتها لكم ، جاءت وزيرة ، واستُقبِلت في المطار ، وكان من بين المستقبلين أحد كبار موظفي الوزارة ، وهذا الموظف ملتزم ، فلما مدت يدها كي تصافحه ، وكان في استقبالها بحكم وظيفته ، لم يصافحها ، بل سحب يده ، فانزعجت أشد الانزعاج ، لكنها في قاعة الشرف سألت : من هذا الموظف الذي لم يصافحني ؟ وكأنها عدَّت ذلك إهانةً لها ، فقال لها الوزير المستقبل : هو له عقليةٌ خاصة ، معتذراً عنه ، وانزعج منه أشد الانزعاج ، لكنها أصرت على أن تلقاه على طعام الغداء ، وقد صرفه الوزير بألاّ يحضر معهم طعام الغداء ما دمت وقفت هذا الموقف ، ففي الظهيرة سألته : لمَ لمْ تصافحني ؟ قال : إن ديني يمنعني من مصافحة امرأةٍ أجنبية ، فقالت : لو أن المسلمين أمثالك لكُنَّا تحت حكمكم ، هكذا قالت .
شيء رائع جداً أن إنسانًا يكون ملتزمًا مطبقًا ، هذا الشيء يرفع من قيمته عند الله ، وعند الناس .
إذاً الموضوع الآن غير النظر ، إنه موضوع مس يد امرأة لا تحل لك ، هذا منهيٌ عنه أشد النهي .
أدلة تحريم لمس المرأة الأجنبية
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( من مس كف امرأةٍ ليس منها بسبيلٍ وضع على كفيه جمرةً يوم القيامة )) .
[ورد في الأثر]
لذلك قال النبي e :
(( إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ )) .
[النسائي عن أميمة بنت رقية]
والإنسان لا يستحي بدينه ، أي لا يصافح ، وانتهى الأمر ، ليفسروا هذا كيفما شاءوا .
وكان عليه الصلاة والسلام يحرص على أن لا تمس يده يد امرأةٍ ، فقد روى الإمام مسلمٌ أن عائشة زوج النبي قالت :
(( كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ [ ، إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ ـ أي بالامتحان ـ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ ، وَلا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ ، غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلامِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إِلا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ : قَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلامًا )) .
[مسلم]
سمعت أن شخصًا أراد أن يبايع مريدة عنده ، يضع وعاء به ماء ، فتغمس يدها فيه ، ويغمس يده فيه ، لأن الماء ناقل للكهرباء .
النبي e لم يصافح إطلاقاً ، وهو الأكمل ، ويقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث : " إن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كفٍ ، وأنه لا يلمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة " .
أما الضرورة كالطبيب فيجوز ، مثلاً قد يكون طبيب الأسنان لقلع ضرس ، إذا لم يكن هناك طبيبة ، أو طبيب معالج .
وقد روى الإمام الطبري رحمه الله تعالى عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
(( لأن يزحم رجل خنزيراً متلطخاً بطينٍ أو حمأةٍ خيرٌ له من أن يزحم منكبه منكب امرأةٍ لا تحلُّ له )) .
[الترغيب والترهيب للمنذري بسند فيه ضعف]
أي إذا كان الطريق مفعما بالنساء تدخل بينهن وتزاحم ، فأحياناً يمس كتفك كتف امرأة بالازدحام ، فلذلك النبي الكريم يقول :
(( لأن يزحم رجل خنزيراً متلطخاً بطينٍ أو حمأةٍ خيرٌ له من أن يزحم منكبه منكب امرأةٍ لا تحلُّ له )) .
إنّ هذه إذا طبقها الزوج ، فلم ينظر ، ولم يصافح فقد أدى ما عليه من أسباب ديمومة الزواج ، وسعادة الزواج .
وترون معي أيها الإخوة كيف أن الزواج الذي هو أقدس عقدٍ على الإطلاق بين رجلٍ وامرأة ، هذا العقد يحتاج إلى محافظة ، ويحتاج إلى تدعيم ، تدعيمه تطبيق الشريعة ، وأذكِّر أنه في زمن الفساد ، وزمن الفتن اليقظة ، وزمن الشهوات المستعرة ، وزمن التفلُّت ، وزمن الشوارع المفعمة بالنساء الكاسيات العاريات ، وزمن أن كلَّ شيءٍ أريد له أن يروج ، لا بدَّ أن يكون عليه صورة امرأةٍ متبذلة ، أي بضاعةٍ ، أو أي شيءٍ تشتريه من أجل أن يروّج ، لا بدَّ من صورة امرأة متبذلة توضع عليه ، في مثل هذا الزمن الصعب يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ )) .
فالإنسان كما ورد في القرآن الكريم بتوسع :
( سورة الكهف : آية " 16 " )
فالإنسان كهفه هو بيته ، وكهفه مسجده ، وإذا كان يقدر أن لا يدخل إلى الأسواق في أوقات الازدحام فليبتعد ، ويختار وقتًا لا يجد فيه ازدحامًا ، وإذا كانت الطرق موبوءة فليختَرْ الطرق الفارغة ، وإذا كانت الأماكن الجميلة في الصيف مفعمة بالنساء ، فهذا المكان ليس لك في هذا الوقت ، اذهبْ في أوقات أخرى .
أحياناً يخرج الإنسان إلى مكان ما ، أو إلى مصيف ، أو إلى ساحل ، هذا المكان ليس للمسلم ، مستحيل ، تجد العورات كلّها مكشوفة ، والمعصية محققة ، فالمؤمن يفرُّ بدينه حفاظاً على سلامة اتصاله بالله عزَّ وجل وسلامة قلبه ، لكن ربنا سبحانه وتعالى من عظيم كرمه أن كلَّ مؤمنٍ آثر رضوانه على شيءٍ مألوفٍ عند الناس ، ومباحٍ عند معظم الناس يعوضّه الله عزَّ وجل عطاء وسكينة ورحمة يجد حلاوتها إلى يومٍ يلقاه .
فدرسنا اليوم كان للشباب وللمتزوجين ، لكن الشباب ولا سيما في زمن الفساد ، وزمن التفلُّت ، وزمن الفتنة المستعرة ، هم في أشد الحاجة إلى هذا الأمر الإلهي ، هذا الأمر يحصنه ، يقول لك : كبْت ، الكبت لا يأتي إلى رجل مستقيم ، الكبت إثارة ومنع ، أما إذا غض الإنسان بصره قطع عنه الإثارة ، الكبت أساسه إثارة ومنع ، وهذا شيء صعب جداً ، أما إذا ابتعد الإنسان عن أماكن الشبهات ، ومواطن الفساد ، وعن الأماكن الموبوءة ، وعن ازدحام الأقدام غير الملتزمة ، وعن الأماكن السياحية الموبوءة بالنساء ، إذا ابتعد وخطط لنفسه وقتًا مناسبًا ما فيه ازدحام ، وبعيدًا عن الاختلاط فهو الأفضل ، والله عزَّ وجل مع المؤمن ، فهو يتجلىَّ على المؤمن تجليًّا ينسيه كل هذه الفتن التي ابتعد عنها باختياره .
هذا الدرس عام للأزواج وللشباب ، والمأخذ الوحيد الآن للشباب موضوع النساء ، فهو مأخذ كبير ، وسبحان الله !!! حينما ينصرف الشاب إلى الله عزَّ وجل ، ويغض بصره تنتظم أموره ، ويبني نفسه بناء صحيحا ، ويتفوق في دراسته ، وينجح بعمله ، لأنه أصبح في صفاء ، ولأن هذا الشيء يشوش ، الشيء مبذول ، وله شعور بالذنب كبير ، يعقبه شعور بالكآبة ، أما إذا وطن الإنسان نفسه على طاعة الله فقد انتهى الأمر ، فبهذا ينتهي موضوع الزواج الذي بقي في دروسٍ عشر .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الآيات وتلك الأحاديث التي وردت في هذه الدروس ، منارات للمؤمنين ، ومبادئ أساسية يستلهمون منها سلوكهم ، فلعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا جميعاً بطاعته .
والحمد لله رب العالمين
الجمعة يونيو 18, 2010 3:48 pm من طرف A_prisoner_of_the_dark