عناق الفن والطبيعة وحلم تحقق بعد خمسين عاما
متحف جبران وبلدته بشري
في شمال لبنان
الشرق الأوسط - بيروت: زينة ملك
من الصعب ذكر بلدة
بشري في شمال لبنان من دون جبران خليل جبران، ذلك ان العلاقة متداخلة بين
هذا الفيلسوف والأديب والفنان اللبناني العالمي ومسقط رأسه.
وقد اشتدت
اواصر هذه العلاقة مع متحف جبران، الذي كان ديراً للاباء الكرمليين قبل ان
يشتريه عام 1926، عندما كان يعيش في نيويورك بهدف قضاء آخر ايامه فيه.
وخصوصية
المتحف تكمن في جمال الطبيعة في بشري، لذا لا تكتمل الزيارة الى هذه
البلدة من دون دخول المتحف، الذي يتميز بموقعه الاثري المحفور في باطن
الجبل والعابق بروائح السنديان والصنوبر والوزال والعشب البري، ومن يطل من
هذا الموقع على بشري ووادي قاديشا تلوح امامه قباب الكنائس وسطوح القرميد
وصوامع النساك والكهوف الصخرية، من هذا الموقع الذي امضى فيه جبران طفولته
الاولى. وعندما ينظر الزائر الى المتحف يشعر بانه في العالم الحقيقي
لجبران، الذي تخيل انه سيدفن فيه، طالباً في احدى مقالاته (جمال الموت) ان
ينثروا فوق ضريحه بذور السنديان والشربين والحور، لتتغذى من عناصر جسده عله
يتنفس برؤوس الاشجار.
*
معرض اللوحات
يتميز المتحف الموغل في القدم بممرات صخرية تحولت الى
معرض دائم لرسومه ولوحاته الزيتية وكتبه الخاصة واشيائه الحميمة. وترافق
الزائر روائح البخور على انغام الناي التي عزفها احد ابناء بشري (فريد
فخري)، خصيصاً للمتحف ووفاء لجبران، المولع بأنين الناي واللوحات الزيتية
والاكواريل، تعكس طبيعة بشري ووادي قاديشا، بعذريتها وبدائيتها الماثلة في
خلفية كل لوحة، من خلال المقاربة بين اللوحة والفضاء الازرق والسواقي
والجداول والفجر والصخور والشفق. ومع رسوم جبران نقرأ من الابيض الناصع
والشفاف الى الاسود الفاحم والترابي، الثنائية بين عالم المادة الترابي
المظلم وعالم الروح الاثيرية الحاضرة في اللوحات وفوق سرير جبران وبين
اشيائه الحميمة.
* مشاهير العالم في بشري
ومن حجرة الى اخرى
وممر وآخر، تحضر صور المشاهير الذين عاصرهم جبران وتأثر بهم، من النحات
الفرنسي رودان الى طاغور الى ماري هاسكل الى امين الريحاني الى مي زيادة
الى امه واخته سلطانة الى يونغ الذي رسمه هو بريشته الى لوحات كتاب النبي
(تحفة جبران التي ترجمت الى عدة لغات وكانت قد حملت رسالة الى العالم)،
اضافة الى بعض قطع الاثاث الشخصية التي كانت في مقر سكنه في نيويورك.
والجدير
ذكره، وجود عنوان جبران على احدى حقائبه الجلدية، كذلك يلاحظ ان جبران
قلما كان يؤرخ او يسمي او يوقع لوحاته، فقلة هي التحف التي تحمل توقيعه او
اسمه او عنوانه، وكان دائماً يقول: «لا يمكن للرؤيا ان يكون لها عنوان».
وعن عدم توقيعه لوحاته كان يقول: «اينما وجدت لوحاتي ورسوماتي يجب ان تعرف
لانها انا»، على الرغم من ان بعض اللوحات كانت قد وقعت وهي لا تقل جمالاً
وروعة عن الاخريات.
ويبدو واضحاً ان جبران لم يستعن بنمط او مدرسة
معينة، بل كان له نمطه واسلوبه الخاص، وبالتالي مدرسة جبران الخاصة. فهو
حاول دوماً ان يمزج عدة مدارس وانماط لابتكار عالمه الخاص والمميز.
*
زيارة المتحف
زيارة واحدة الى المتحف لا تكفي، ذلك ان 160 لوحة بحاجة
الى عدة زيارات وكل زيارة تبدو وكأنها الاولى، فالافكار والاحاسيس والرؤى
التي تختزنها تدفعك للعودة مجدداً. وعند نهاية الممرات تنحدر في درج محفور
داخل الصخر لتصل الى مغارة محفورة ايضاً داخل صخرة كبيرة، حيث يرقد جثمان
جبران في قبر محفور داخل الصخر، ومضاء طوال الوقت اضاءة خفيفة، وفي المغارة
سريره الخاص وجدارية ارمنية قديمة.
في القسم الاول من المتحف بعض
انجازات جبران الادبية وكتاباته بلغات عدة وبعض دراساته الفلسفية والادبية
التي ظهرت في جميع كتاباته ولوحاته.
وفي القسم الثاني صور لجبران
عام 1909 عندما كان في باريس بين بعض الاصدقاء والفنانين، بينها صورتان
مميزتان رسمتا لجبران في شبابه والصورة الاخرى لماري هاسكل بريشة جبران.
ويعكس
القسم الثالث النزاع بين عالمين مادي وروحاني، ويظهر من خلال منحوتاته
ولوحاته رغبة جبران في إبراز الطبيعة كمظهر فلسفي له نقاوة وسمو.
اما
القسم الرابع فيلخص الاتصال بين عالم الروح والامومة والقداسة وفرصة الروح
والنفس.
* وصية جبران
قبل وفاته اوصى جبران بإرثه المالي
لبلدته بشري، ويتضمن هذا الارث حقوق طبع مؤلفاته باللغة الانجليزية، كما
اوصى بإرثه الفني من لوحات زيتية ورسوم بلغ عددها 440 رسماً الى صديقته
ماري هاسكل على ان ترسل بعضاً منها الى بلدته بشري ان ارتأت ذلك.
في
سنة 1934 تأسست لجنة جبران الوطنية كهيئة ممثلة للمجتمع البشراوي، لتكون
القيمة على تنفيذ وصيته، وفي ذلك الوقت ارسلت ماري هاسكل كل لوحات جبران
واشيائه الحميمة الى بشري، لانها كانت تعتبر ان شعبه له الاحقية في ذلك.
وقد جمعت هذه المحتويات بادئ الامر في شقة سكنية الى ان انشئ متحف جبران
الحالي سنة 1975 بمبادرة من لجنة جبران ومدير اعمالها فريد سلمان».
ومبنى
متحف جبران يعود الى القرن السابع ويتمتع بنظام حماية متطور وعصري وبجهاز
اداري. ويقصده سنوياً حوالي 60 الف زائر من مختلف انحاء لبنان والعالم
العربي ومن شتى ارجاء العالم، ويعتبر من المعالم السياحية والثقافية
البارزة في منطقة بشري ولبنان.
تشكل منطقة قاديشا ببلداتها وقراها
مشهداً طبيعياً دائرياً متكاملاً مع المتحف، وتبدو غابة الأرز رأس هذه
الدورة، بحيث تتفرع من هذا الرأس سلاسل جبلية ومنحدرات وتلال ووديان.
وتكتسب
منطقة الارز طابعا سياحيا مميزا، بحيث يقصدها السياح واللبنانيون في فصل
الشتاء للتمتع بموسم الثلوج وممارسة هواية التزلج في المراكز المخصصة التي
تتميز بامتداد منحدراتها على مساحات واسعة، ولكون هذه المنحدرات آمنة يشعر
المتزلجون معها بالطمأنينة وانعدام المخاطرة.
الجمعة يوليو 09, 2010 8:43 pm من طرف ElM3daWyY