الحمد الله رب العالمين القائل: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)﴾ (1).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. يقول حاتم الأصم: فاتتني الصلاة في جماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال أبو هريرة رضي الله عنه: "لأن تُملأ أذن ابن آدم رصاصًا مذابًا خير له من أن يسمع النداء ثم لا يجيب" (2).
أأُخيّ لبِّ نداءَهُ ودَعِ الهَوَى*** وارتعْ هناك بِرُكْنِهِ وتفقَّدِ
رُوحُ القلوبِ يُنالُ في إعمارِهِ *** ما ضاقَ صَدرٌ في رحابِ المسجدِ
فَرِياضُه تزهو بنورِ هداية *** وتحُفُّ بالرحماتِ كلَّ مُوحِّدِ
أما بعد..
حينما يأتي شهر رمضان يعم الخير الكون الأرضي، ويسعد به سكانه، فيسعد به المسلمون عامة لما فيه من نفحات ورحمات وعبادات، ويسعد به الفقراء لما فيه من إحسان وعطف من الأغنياء حيث تكثر الصدقات والزكوات، ويسعد به الأغنياء لما فيه من الشعور بأداء عبادات يحبها الله سبحانه وتعالى. كما يسعد به القرآن الكريم حيث تكثر تلاوته ومدارسته ليلاً ونهارًا، وتسعد به المساجد حيث يكثر عمارها والمصلون بها بل والمعتكفون فيها سواء للعبادة أو الراحة.
فإذا ذهب شهر رمضان كما ذهب غيره قبل ذلك كان أول الباكين عليه المساجد، وثاني الباكين عليه القرآن الكريم حيث توضع المصاحف على الأرفف ولا تفتح إلا قليلاً، وثالث الباكين عليه الفقراء حيث تقل الصدقات أو تكاد تشح.
إخوة الإسلام.. نعم أول الباكين على ذهاب رمضان المساجد حيث يقف كثير ممن يصلي في رمضان على باب المسجد يوم التاسع والعشرين وبخاصة صلاة الفجر ويقول مناديًا المسجد: أيها المسجد وداعًا إلى رمضان القادم.
* نقول لمن ودع المسجد وهجره: هل علمت ما هو المسجد وما أهميته لك بل وللأمة الإسلامية؟!
ونقول لمن يعمر المساجد هل علمت فضل عملك هذا؟
أحباب محمد صلى الله عليه وسلم.. ما هو المسجد؟..
إن المَسْجِدَ دار عبادة المسلمين، تقام فيه الصلوات الخمس المفروضة، وسمي مسجدًا لأنه مكان للسجود لله. ويمتاز عن غيره من الأماكن بأنه:
1- بيت الله قال تعالى ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ (3).
2- أحب البقاع إلى الله سبحانه وتعالى: عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله أي البلدان أحب إلى الله، وأي البلدان أبغض إلى الله؟. قال: لا أدري، حتى أسأل جبريل، فأتاه جبريل، فأخبره: أن أحسن البقاع إلى الله المساجد (4).
3- مكان زيارة الله سبحانه وتعالى: عن سلمان الفارسي- رضي الله عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم الزائر"(5).
يا من اشتاق محمد صلى الله عليه وسلم لرؤيتهم.. هل علمتم أهمية المساجد؟ وأهمية عمارتها..
1- عمارته المساجد والتردد عليها من علامات الإيمان..
عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان"، قال الله تعالى ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ (التوبة: من الآية 18) (6).
2- التعلق بالمساجد من أسباب النجاة يوم القيامة.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: منهم... ورجل قلبه معلق في المساجد" (7).
3- الذهاب إلى المساجد من أسباب الفوز بنُزلٍ في الجنة.
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "من غدا إلى المسجد أو راح، أعدّ الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح" (
.
4- الذهاب إلى المساجد من أسباب تكفير الذنوب والخطايا والرفعة في الجنة أيضًا.
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟"، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط" (9).
صغّر خطاك إذا غدوت لمسجد *** فلربما غفرت ذنوبك بالخطى
تمشي ومشيك للمساجد قربة *** تسمو بشأنك للجنان وللتقى
5- تعمير المساجد حصن للعباد من غضب رب العباد.
فحينما تكثر الخطايا وما أكثرها الآن ويزداد الفجور ويريد رب العالمين أن ينزل سخطه على الناس، كان عمار المساجد شفعاء في تلك اللحظة.
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله:- صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بقوم عاهة، نظر إلى أهل المساجد، فصرف عنهم" (10).
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله سبحانه يقول: "إني لأهم بأهل الأرض عذابًا، فإذا نظرت إلى عمار بيوتي، والمتحابين في، والمستغفرين بالأسحار، صرفت عنهم" (11).
أخي المسلم.. يا من هجرت المسجد بعد أن عمرته في شهر رمضان ألا تعلم؟!!
1- ألا تعلم أنها خطوات تمشى وخطايا تغفر ودرجات ترفع.
فعن النبي- صلى الله عليه وسلم قال: "من تطهّر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة" (12).
2- ألا تعلم أنها خطوات تترجم لحسنات..
وعن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا تطهَّر الرجل ثم أتى المسجد يرعى الصلاة، كتب له كاتباه أو كاتبه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات" (13).
3- ألا تعلم أنها خطوات تعادل الصدقات.
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة"(14).
4- ألا تعلم أنها خطوات نور يوم لا نور..
فعن بريدة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "بشّروا المشائين في الظُّلَمِ إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" (15).
5- ألا تعلم أنها خطوات كلما كثرت كانت أعظم أجر..
وعن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم" (16).
وعن جابر- رضي الله عنه- قال: "خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال لهم "بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد" قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: "يا بني سلمة، ديارَكم تُكتَبْ آثاركم، دياركم تكتب آثاركم" فقالوا ما يسرنا أنا كنا تحولنا" (17).
مر أبو هريرة- رضي الله عنه- بسوق المدينة فوقف عليها فقال: يا أهل السوق ما أعجزكم! قالوا: وماذا يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله يُقسم وأنتم هاهنا؟ ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا سراعًا ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا فقال لهم: ما لكم؟ قالوا: يا أبا هريرة فقد أتينا المسجد فدخلنا فلم نر فيه شيئًا يُقسم، فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحدًا؟ قالوا: بلى، رأينا قومًا يصلون وقومًا يقرؤون القرآن وقومًا يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث محمد (18).
فإن رُمْتَ اغتنامَ الوقتِ فعلا *** فخيرُ الوقتِ حيّ على الفلاحِ
فصلِّ الفجرَ وادعُ اللهَ واغنمْ *** قيامَ الليلِ في الغَسَقِ الصُّراحِ
تَفُزْ بالأجرِ والحسناتِ حقًّا *** فتُسلمُك لجناتٍ فِساحِ
أيها الموحدون.. لماذا نأتي إلى المسجد؟
نأتي للمسجد لأمور كثيرة من أهمها الصلاة واسمع لابن مسعودِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وهو يقول: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنِّي لأَحْسَبُ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا لَهُ مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ مِنْ بَيْتِهِ، وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَمْشِي إِلَى الصَّلاةِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً" (19).
وفي رواية عنه: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض إن كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة (20).
أخوة الإسلام.. واأسفاه على من أراد النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يحرق عليهم بيوتهم..
عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي أنه قال: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" (21).
وفي رواية: قال: "لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم" (22).
* فيا من تعمر بيت الله بعد رمضان اعلم أنك من أهل الله وما أعظم هذا الشرف..
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إنما عمار المساجد هم أهل الله" (23).
---------
الإثنين سبتمبر 13, 2010 4:21 am من طرف LEND YOUR DEAF