اصل الغجر
الغجر عرق يقطن أوروبا منذ القرن الخامس عشر، تتكلم لغة مشتركة ولها ثقافة وتقاليد متشابهة، وحتى أواخر القرن العشرين ظلت شعوب الغجر تعيش حياة التنقل والترحال، وللغجر أسماء مختلفة باختلاف اللغات والأماكن التي يتواجدون فيها، ومن أسمائهم الشائعة في أوروبا (الروم)، وهم من بين الشعوب التي تعرضت للاضطهاد من قبل الحكم النازي
توجد آراء مختلفة بشأن تاريخ الغجر وأصولهم، إلا أن رأيا منها يبدو وجيها وهو أن هؤلاء الأقوام أصلا من شعوب الهند وإيران ومناطق وسط وجنوب آسيا، هاجروا عن أراضيهم في حوالي القرن الرابع الميلادي، وأوضح بعض المؤرخين أنهم في أواسط القرن الخامس عشر (1440م تقريبا) وصلوا إلى مناطق المجر وصربيا وباقي بلاد البلقان الأخرى، ثم بعد ذلك انتشروا في بولندا وروسيا، واستمر انتشارهم إلى أن بلغوا السويد وإنجلترا في القرن السادس عشر الميلادي، كما استوطنوا في إسبانيا بأعداد كبيرة في ذلك الوقت
تعرضهم للحقد والكراهية الكثير من سمات الغجر وتصرفاتهم لا تروق للشعوب المتحضرة، وربما يكون هذا سببا في أن المراجع التاريخية الأوربية تحاول إثبات أنهم ليسوا أوروبيي المنشأ...وأنهم مهاجرون من خارج القارة. مع العلم بان دراسات تذكر أنهم ينحدرون من جبال الكربات في يوغسلافيا
كان الغجر يمتهنون التقاط الطعام والصيد إضافة إلى خبرتهم في الحيوانات والمعرفة التقليدية بطب الأعشاب. في السابق كان يمكن تمييز الغجر سهلاً بسبب أنماط لبسهم الغريبة، ولغتهم الخاصة، فقد كان النساء يلبسن الملابس الفضفاضة المزركشة، ويتخذن زينة من الحلي المختلفة بشكل كثيف ولافت، ويضعن على آذانهن حلقات كبيرة من الفضة تنعكس عليها أشعة الشمس مكونة بريقا يضفي على الغجرية مسحة جمالية خاصة، مع تزيين الوجه وإسبال الشعر الأسود على جانبيه، أما الرجال فيلبسون الملابس المبهرجة متعددة الألوان إضافة إلى وضع لفافة حول الرقبة
كان الغجر في الماضي يستخدمون العربات التي تجرها الخيول والبغال والحمير، ولكن تحت وطأة الضغوط الاقتصادية واكتشاف المحركات التي تعمل بواسطة البترول تركوا مركباتهم تلك، فقط 6% من الغجر الآن يعيشون على العربات من النمط القديم، غالبا ما يعيش الغجر في الخيام، أو على ظهور عرباتهم (ربما أصبح ذلك من الماضي)، ومن عاداتهم تزيينها برسومات مختلفة، ولتلك المناسبة أسطورة تحكي أن أحد الغجر قد هام حبا بفتاة، وعند زواجه بها طلبت منه أن يزين لها بيت الزوجية، وقد استجاب الفتى لذلك، ووضع كل ما أمكنه من تصميمات فنية في تلك العربة، وتمضي القصة لتحكي أن الغجرية أصيبت بداء عضال سبب وفاتها، الأمر الذي أحزن الفتى الغجري كثيرا، ثم قام برسم وجهين في عربته، الوجه لأول لرجل داكن البشرة يمثله هو والآخر لفتاة ذات شعر أحمر تمثل عروسه، وسار الناس على العادة وصاروا يزينون عرباتهم بنفس الطريقة، ويخصص الغجري ربع مساحة العربة لزوجته مع إحداث فتحة في الأعلى للتمكن من إشعال النار بداخله
يتزوج الغجري بالغجرية في سن مبكرة جدا وذلك الزواج يتبع التقاليد الغجرية بصرامة من حيث طريقة الاحتفال، ففي البدء يعطي الغجري البنت التي يختارها للزواج لفافة عنقه، وإذا ما ارتدت البنت تلك اللفافة فهذا يعني أنها قبلت الزواج به وإلا فلا، والطلاق نادر الحدوث بين الغجر. وهناك عادة قفز الزوجين للمكنسة، وعادة أخرى غريبة للزواج، وهي أن يتصافح الزوجان ثم تكسر قطعة من الخبز وتسكب عليها قطرات من الدم من إبهاميهما، ثم يأكل كل واحد منهما القطعة التي فيها دم الآخر، ثم يكسر ما تبقى من قطعة الرغيف على رؤوسهما، وبعدها يغادران مكان الاحتفال، ولا يحضران إلا في اليوم التالي للمشاركة في الغناء والرقص وبذلك يتم الزواج
تعتبر المرأة الحامل عند الغجر غير طاهرة، وبالتالي تعزل في خيمة منفصلة بعيدة عن العربة، وعند قدوم ميقات وضع الطفل تذهب الأم المرتقبة بعيدا بمفردها إلى شجرة حيث تضع مولودها هناك، أو تضع مولودها في خيمة أخرى، وتستمر فترة العزل للمرأة بعد الولادة لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى شهرين، بعدها تمارس حياتها العادية اليومية بصورة طبيعية، ولا يلمس والد الطفل ولده إلا بعد أن يتم تعميده (حسب التقاليد المسيحية). الآن تغير هذا الوضع وأصبح بمقدور الغجرية أن تذهب للمستشفى لإجراء عملية الولادة، ويستطيع الزوج أن يزور زوجته وهو في كامل أناقته.
تعتبر عادات الوفاة من أكثر العادات القديمة التي دامت عند الغجر، وأيضا تلعب العربة دورا ظاهرا في تلك العادات، فبعد وفاة أحد الغجر تحرق عربته! وفي الأوقات العصيبة يقومون ببناء خيمة وتدميرها عوضا عن إحراق العربة، قبل دفن الغجري المتوفى لا يتناول الغجر الطعام ولا الشراب، ويقوم ثلاثة من الغجر بحراسة المتوفى من الأرواح الشريرة، وقد استمرت هذه العادات حتى عام 1915م، وعادة ما يكون الكفن واسعاً لاحتواء ممتلكات المتوفى إلى جانبه، ويقومون بإلباسه احسن الأزياء لديه، أما المرأة فتدفن معها جميع ممتلكاتها الثمينة، إلا في حالة أن يكون لديها بنات من دم غجري خالص، عندها يرثن تلك الممتلكات
من معتقدات الغجر أن الإنسان خلق من أصول ثلاثة، وأن أجداد البشرية ثلاثة رجال أحدهم أسود وهو جد الأفارقة، والآخر أبيض وهو جد الأوروبيين وأمثالهم من البيض، والأخير هو جد الغجر، وان هذا الجد يسمى (كين)، وقد قتل شقيقه وعوقب من الله بأن جعله هائما في الأرض هو وذريته من بعده. هناك رواية أخرى تقول إن سبب الشتات في الأرض والتنقل هو أن الجد الغجري قد أسرف في الخمر وثمل ولم يستطع الدفاع عن المسيح، ورواية أخرى تقول إن الجد الغجري قد صنع المسمار في الصليب الذي أراد أعداء المسيح صلبه عليه. كل هذا الأشياء تعطي الانطباع بأن الغجر دائما يقفون في صف مناقض للمسيحيين، وقد تبدو هذه المواقف أحد مبررات الكراهية ضد الغجر من قبل الأوروبيين. أما المهن التي يمتهنونها في العادة فهي تخضع لطبيعة حياتهم المتنقلة، فهم عادة لا يسمح لهم بامتلاك الأراضي في الدول التي تؤويهم، وفي غالب الأحوال تكون تجارة بيع الأحصنة والبغال والحيوانات الأخرى، وأنواع التجارة الصغيرة المتنقلة، والصناعات اليدوية كأعمال الفضة والحديد وصياغة الذهب، كما أنهم، ومن جانب آخر عادة ما تكون تهم السرقة وانعدام الأمانة ملازمة للغجر بسبب أسلوب حياتهم المتنقل وسلوكياتهم غير المألوفة
انقسم الغجر في دياناتهم حيث أصبح جزء منهم مسلمين كما في البوسنة والهرسك، بينما جزء آخر تبعوا مذهب الأرثوذكس في صربيا والجبل الأسود، كما أصبح معظم الغجر في أوروبا الغربية رومان كاثوليك، ولكنهم حافظوا على كثير من معتقداتهم السابقة قبل اعتناقهم المسيحية
فيما يخص الغجر العرب
حدثتني جدتي عن امرأة غجرية رأتها في صباها في الثلاثينات من القرن المنصرم وهي تمشي على حبل ربط بين بيتين فوق ساحة القرية، فكانت تمشي على الحبل وهو على ارتفاع عشرات الأمتار فأدهشت الجميع، وحصلت لقاء الدهشة على المال. وتقول جدتي أن الغجر كانوا يأتون إلى منطقة البيادر في القرية، يفرشون مقتنياتهم، وخلال ساعات تكون الخيام قد ارتفعت في الهواء، ثم يبدؤون بالرقص ودقّ الموسيقى إعلانًا عن قدومهم، وتبدأ نسائهم بالمرور على البيوت طلبًا للطعام أو للمال.
داخل المكان، خارج التاريخ
نظر العرب للغجر عمومًا على أنهم جنس بشري منحط، ولاقى الغجر على الدوام معاملة سيئة من العرب يعود أحد أسبابها إلى أن الغجر مارسوا السرقة والشحاذة كجزء من عاداتهم القديمة، وعملوا كل ما باستطاعتهم لكسب المال، بالمقابل اعتبر العرب أنفسهم أعلى قيمة من الغجر، ولهذا لم يرغبوا بالاختلاط بهم أو الزواج منهم. ولم يشعر الغجر على طول تاريخهم بالانتماء إلى الشعب العربي نتيجة المعاملة الاستعلائية ونتيجة عادة التنقل التي ميزت أسلوب حياتهم.
في الوقت الذي نال تاريخ الغجر في أوروبا والقارة الأمريكية اهتمام الباحثين والدارسين، فإن المؤرخون العرب تجاهلوا الغجر ولم يدونوا تاريخهم، فلا يجد الباحث عن تاريخ الغجر العرب إلا القليل والنادر مما كتب عن الغجر بالإشارة إليهم وليس تخصيصًا عنهم. ويبدو أن الغجر الذين عاشوا على هامش المجتمع العربي لم يساهموا في صنع التاريخ العربي، ومن الواضح أن وجودهم لم يكن من منطلق المشاركة كباقي الفئات والقوميات التي عاشت في الأرض العربية وإنما باعتبارهم قوم عابرون في المكان والتاريخ. ليس هناك من يشكك في أن تاريخ الغجر هو جزء هام من تاريخ العرب، إلا أن الحقيقة المؤلمة أننا لا نعرف ما يكفي عن الغجر وتاريخهم حتى نعرف أهمية وتأثير وجودهم في الشرق العربي، ويبقى التاريخ الشفوي وقصص الناس عن الغجر هي المصدر الأول.
تبقى قصة الغجر وتاريخهم مثار بحث مستمر، فمثلما لم يهتم المؤرخون العرب بتدوين تاريخهم فلم يهتموا هم أنفسهم بتدوين لغتهم وتاريخهم. فمن سيكتب تاريخ الغجر العرب؟ ومتى سيتم الكشف عن الوجه الآخر للغجر، الوجه الذي لم نعرفه بعد؟
للغجر في الأردن وجهة نظر أخرى فهم يعتقدون أن أصولهم تعود إلى بني مره، وأنهم عرب أقحاح وينكرون أصلهم الهندي، ويستندون في هذه الرواية إلى "حرب البسوس" وإلى "سيرة الزير سالم" الذي انتقم من بني مرة وأمر بتشتيتهم في الأرض وحكم عليهم أن لا يركبوا الخيل وأن لا يذوقوا طعم الراحة والأمن والاستقرار، فهربوا ناجين بأرواحهم، وهاموا في صحاري الجزيرة العربية.
لغات وتسميات
للغجر اسم آخر عرفهم به العرب وهو "النَوَر" ويعرف العرب لغتهم على أنها اللغة العصفورية. ويُطلق عليهم أيضًا اسم "الزُطّ"، لكن الاسم الأصلي للغجر هو "الدوم" ولغتهم هي الدوماري، وهي لغة شفهية غير مكتوبة، يتكلم بها كبار السن من الغجر، وهي لغة تكاد تندثر.
بقي من الغجر عدد قليل، العدد الأكبر منهم في الأردن، سوريا والعراق. وللغجر في العراق حكاية، وهي حكاية حديثة تحكي عن غزو الراقصات الغجريات للمسرح العراقي في التسعينات، فخلال سنوات قليلة اقتحمت الغجريات خشبة المسرح العراقي التجاري، واقتحمن خشبة المؤسسة الأعرق وهي الفرقة القومية للتمثيل، وإذ بمسارح القطاع الخاص والعام على حد سواء تعج بالغجريات بوصفهن ممثلات، مما أثار نقاد المسرح والصحافة العراقية.
الغجر في فلسطين
يُقال أن الغجر كانوا يمرون في أرض الجولان ومنها إلى فلسطين، وقد كانوا يجوبون المدن الفلسطينية حتى استقر عدد كبير منهم في نابلس، القدس وغزة. وبعد نكبة عام 1948 تهجّر الغجر كباقي أبناء الشعب الفلسطيني، واستقر معظمهم في الأردن وتحديدًا في ضواحي عمان، والقسم الآخر اتجه نحو مخيم جباليا في غزة. ولا يزال عدد من الغجر يعيشون حتى الآن في ضواحي القدس وفي مدينة نابلس، ويمكن تمييزهم من خلال ملامحهم الخاصة التي لا تشبه العرب. تقول "أمون سليم" وهي ناشطة غجرية تعيش في القدس وقد أسست جمعية لرعاية شؤونهم: "الغجر المتواجدون في القدس يصل عددهم إلى ألفين على الأكثر وهناك عدة مئات في غزة، لكن العدد الكبير من الغجر غادر إلى الأردن
السبت نوفمبر 20, 2010 2:40 pm من طرف amira marmar