" أبعاد اللحظة "
" ثقافة نفسية " وفلسفة شخصية ..!! .
اللحظة كما أفهمها هي جزء من مجموعة أجزاء تتكون منها سنوات الحياة .... أو بمعنى آخر هي الوحدة الزمنية التي تقاس بها الحياة ...
فما الحياة إلا مجموعة من اللحظات العابرة في فضاء الوجود ...
وكل لحظة تتبع الأخرى وتدفعها لتحتل مكانها ...
وعمر الإنسان أشبه ما يكون بالنهر المتدفق في مجراه فلو قدر لأحدنا الوقوف على شاطئه وكان قادرا على رصد قطراته التي من مجموعها تكون ذلك النهر لوجد أنها خاضعة لقانون الانحدار ذلك القانون الذي لا يسمح لمن هو تحت سلطانه بالتراجع والعودة المعاكسة لتياره الإنسكابي ... !!
فلحظات العمر تجري سريعا كما تجري قطرات ماء النهر ولا يمكن استعادتها !!
وقد عبر عن هذا المعنى أحد الشعراء بقوله :
تمــر بنا الأيــامُ تترى وإنــما = = نسـاقُ إلى الآجال والعين تنظرُ
فلاعائدٌ ذاك الشباب الذي مضى = = ولا زائلٌ هذا المشيب المكدرُ.
والآخر حينما بلغ الثمانين وشعر بأهمية تلك اللحظات التي كونت مجموع سني عمره ردد باندهاش في لحظة وعي تام قائلا ً : " إنني لست مندهشا من أنني قد بلغت الثمانين ولكنني مندهش من أنني قد بلغت هذه السن بهذه السرعة "
والخوف الحقيقي على هذا الكيان النفسي الشفاف أمام هذه الحقيقة الصلبة هو من الانسياق وراء ألإيحاءات الخفية التي تحفز الشعور بعدم خيرية هذه الحياة الزائلة والمؤقتة ... فينتج عن هذا الشعور المعيق سلوكا ذهنيا مفاده وعنوانه لافائدة من هذه الحياة !! إن تعلمت ستموت وإن بقيت جاهلا ستموت وإن اغتنيت بالمال ستموت وإن بقيت فقيرا أيضا ستموت ... فأنت لاتملك في هذا الوجود شيئا يمكن أن تفاخر بأنك أنت الذي حصلته وجلبته ليبقيك ويبقى معك ... وإنما أنت تقاتل في معركة محسومة النتيجة مسبقا ..!!
وهذه الحالة المسيطرة قد تصل ببعض الناس إلى التخلص والهروب الأعمى من الحياة إما بالانسحاب ... أو بالانتحار ...
والحقيقة التي يجب أن ندركها بوعي تام هي : أن الله الخالق ـ عز وجل ـ خلق الموت والحياة لهدف هو أسمى من تقديراتنا البشرية القاصرة ..
فما الموت في المفهوم الإسلامي الصحيح سوى انتقال من حال إلى حال كما ينتقل الجنين من عالم الظلمات في بطن أمه إلى عالم الحياة والنور ...
وما الحياة في المفهوم الإسلامي إلا ميدان فتح للإنسان كي يزرع فيه بذور العطاء والبناء وكل ما هو إيجابي ومفيد .. أعمال صالحة مقرونة بإيمان فيجد السعادة في لحظات الدنيا والجزاء الأوفى في الآخرة قال تعالى : ( " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " ) .
و المفهوم السائد في الثقافة الاجتماعية أن من تقدم في السن وبلغ الكبر ينظر له على طريقة ماذا بقي منه وماذا بقي له ؟ ما هي إلا لحظات ويودع هذه الدار وتلك المنازل ...!! هاهي علامات السأم وعبارات اليأس بدأت تستولي على مفرداته الواعية بعد أن عُمقت في داخله من قبل واستلمها اللاواعي كمادة أساسية في مدخلاته الذهنية منذ مراحل نشأته الأولى ... وهاهو الآن يظهرها حينما جاءت روابطها ومحفزاتها ومثيراتها !!
هذا المفهوم صاغه شعرا الشاعر العربي زهير ابن سُلمى بقوله :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش == ثمانين عاما لا أبا لك يسأم !!
وعلى عكسه جاء الإسلام وفي نصوصه الصريحة : " خيركم من طال عمره وحسن عمله " فجاء هذا النص محفزا إلى استثمار اللحظات المكونة للعمر وكلما طالت هذه المساحة ـ مساحة العمر ـ وكان لدى الإنسان وعي بأهميتها وفائدتها فسيكون العمل الحسن بكل أبعاده هو محورها وسياقها العام عندها سيكون في مكان الخيرية " خيركم "
تنبيه : في بعض الكتابات النفسية الهادفة إلى بناء الذات والاستشهادات الوعظية تركيز على اللحظة الآنية فقط ... ويستشهد لتعميق مثل هذا المفهوم بالبيت العربي الشهير والذي طالما سمعته كثيرا وهو :
ما مضى فات والمؤمل غيب ... ولك الساعة التي أنت فيها .
وهذا فيه إشارة متسللة إلى اللاوعي توحي بضرورة البتر بين ماضي هذه اللحظة ومستقبلها ..أفكار واستفهامات تقريرية !! من وحي المقال :
• التحرر العقلي من المقيدات الذهنية أمر ضروري لفهم قيمة الحياة ...
• للحياة والموت آفاق أرحب وأوسع تتجاوز المعهود الذهني لدى الكثير من الناس ...
• اللحظة الآنية لها بعدان ماضي ومستقبلي ....
• اللحظات تضيع إذا لم نضغط عليها بأهداف مستقبلية ...
• كيف نجعل اللحظة الآنية امتدادا لما قبلها واتصالا بما بعدها .. ؟
• لماذا لا نجعل من فهمنا لتوالي اللحظات المتعاقبة دافعا لاستثمار مانعيه منها فالليل والنهار جعلا خلفة ــ يخلف بعضهما الآخر ــ لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا !!
مما اعجبني
السبت نوفمبر 27, 2010 10:10 am من طرف Cesc Fabregas