الاستفهام في القرآن الكريم
الاستفهام :
لغة مصدر استفهم , وهو طلب الفهم,فهم الشيء بالكسر فَهْما و فَهَامةً أي علمه وفلان فَهِمٌ و اسْتَفْهَمَهُ الشيء فَافْهَمَهُ و فَهَّمَهُ تفهِيما و تَفَهَّمَ الكلام فهمه شيئا بعد شيء , وغرضه طلب الإفهام لأمر يتعلق بشخص أو شيء ما والعلم به .
وأسلوب الاستفهام هو أسلوب لغوي من أساليب السؤال ,
يهدف إلى طلب الإفهام تصورًا أو تصديقًا , وقد ضمنه النحويون في الإنشاء الطلبي .
وقسمه النحويون إلى نوعين :
1. الاستفهام الحقيقي : يقصد به صاحبه معرفة ما يجهله .
2. الاستفهام المجازي : يعلم فيه صاحبه جوابه ولكنه يقصد معنى آخر يفهم من السياق بعد التأمل في النّص .
وأطلق عليه بعض النحويين الاستخبار .
قال ابن فارس :
الاستخبار : طلب خبر ما ليس عند المُسْتَخْبِر ، وهو الاستفهام وذكر ناس أن بين الاستخبار والاستفهام أدنى فرق :
قالوا : وذلك أن أولى الحالين الاستخبار، لأنك تستخبر فتُجاب بشيء ، فربما فهمتَهُ ، وربما لم تفهمه ،
فإذا سألت ثانية فأنت مُسْتفهم ، تقول : أفهمني ما قُلتَه لي .
قالوا : والدليل على ذلك أن البارئ ـ جل ثناؤه ـ يوصف بالخُبْر ولا يوصف بالفهم .
وكما يمكن تقسيم الاستفهام من حيث الإثبات والنفي إلى قسمين :
الاستفهام المثبت , والاستفهام المنفي ,
ولا فرق بين النوعين ، إلا أن الأول يخلو من أحرف النفي ، والثاني يكون منفيا ,
مثال الأول قوله تعالى :
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" ,
ومثال الثاني قوله تعالى:
"أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى".
وللاستفهام أدوات يتحقق بها الغرض من طلب الإفهام,وهذه الأدوات إما أن تكون حروفًا أو أسماءً .
فأما الحروف ,فهي حرفان:
1. الهمزة, كقوله تعالى:" أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ".
2.هل, كقوله تعالى:" هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ".
وأسماء الاستفهام إما مبنية أو معربة , فالمبنية هي :
1. ما,مثال قوله تعالى:" مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ".
2.مَن, كما يقول الله تعالى:" مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ".
3.متى,كما في قوله تعالى:" وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ".
4.أين, مثل قوله تعالى:" أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ"
5.كم,كما في قول الله تعالى:" وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا".
6.كيف. يقول الله تعالى:" كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ".
7.أيان: كما يقول الله تعالى:" أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ".
8.أنىّ, في قول الله تعالى:" أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ"
والمعربة وهي أسم واحد وهو :
1.أيّ,كما في قول الله تعالى:" فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ".
وأما استعمالات أدوات الاستفهام فهي :
1.الهمزة: تأتي لطلب التصور والتصديق، بينما "هل" تأتي للتصوُّر خاصة.
ومن خواص الهمزة أنها تدخل على حروف أخرى مثل :
1.الواو, كما في قول الله تعالى : " أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ"
2.الفاء:,كما في قول الله تعالى : " أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ"
3.ثم: كما في قول الله تعالى : " أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ"
4.لم: وعند دخولها على حرف"لم"فأنها تفيد معنيين ,
أولها : التنبيه والتذكير كما في قوله تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ",
والثاني : التعجب من الأمر العظيم ، كما في قوله تعالى : " أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً".
5.وتدخل على "ليس",كما في قوله تعالى:" أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ" ,
وهنا تفيد التقرير بما بعد النفي , وتستلزم الجواب إلا أنه في هذا السياق محذوف وتقديره :
"بلى وأنا على ذلك من الشاهدين".
كما وأنها قد تدخل على الفعل , وخاصة "رأيت",
وحينها تنقل معنى الرؤية من العين أو القلب إلى معنى " أخبرني"،
ومنه قوله تعالى : " أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ".
هل : يطلب به معرفة مضمون الجملة ، لأن السائل يجهل العلم به ,
قال الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن" :
" ولا يكون المستفهم معها إلا فيما لا ظن له فيه ألبتة ؛ بخلاف الهمزة ، فإنه لا بدّ أن يكون معه إثبات .
فإذا قلت : أعندك زيد ؟ فقد هجس في نفسك أنه عنده فأردت أن تستثبته ؛ بخلاف "هل".
حكاه ابن الدّهان.
و"هل" قد تأتي في النص ولها معاني :
1. بمعنى "قد"، كقوله تعالى: "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ"
2. بمعنى "ما" كقوله:"هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ",
3.وبمعنى "ألا" كقوله:"هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً",
4.وبمعنى الأمر، نحو: "فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ",
5.وبمعنى السؤال: "هَلْ مِن مَّزِيدٍ".
6.وبمعنى التمنّي:"هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ",
7.وبمعنى "ادعوك"، نحو: "هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ".
أسماء الاستفهام المبنية :
1."ما" :
اسم استفهام مبني على السكون لغير العاقل , بمعنى "أيّ شيء"،
ولها صدر الكلام كالشرطية , وقد جوّز بعض النحويين أن يسأل بها عن أعيان من يعقل أيضاً .
ومن أمثلة استعمالها لغير العاقل : " وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ".
والذين قالوا باستعمالها للعاقل استدلوا بقول الله تعالى : " وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ",
ورد عليهم الزركشي : إنما هو سؤال عن الصفة؛ لأن الربّ هو المالك والمِلْك صفة، ولهذا أجابه موسى عليه السلام بالصفات .
ويحتمل أن "ما" سؤال عن ماهيّة الشيء، ولا يمكن ذلك في حق الله تعالى، فأجابه موسى تنبيهاً على صواب السؤال ".اهـ
و"ما" تستعمل فقط لغير العاقل والدليل قول الله تعالى :
" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ",
فلو َكانت "ما" للعاقل لدخل عيسى عليه السلام في جملة الذين يعبدون من دون الله,
وأما قول الله تعالى : " وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ",
فهي على لسان فرعون وانطلاقًا من عقيدته الفاسدة فهم كانوا يعبدون الشمس_رع_ والقمر والجبل والبحر وغيره من غير العاقل ,
فتوهم فرعون أن رب العالمين من نوعها , ولهذا جاء جواب سيدنا موسى عليه السلام :
"قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ",
وكذلك جوابه : " قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ",
فنفى أن يكون رب لعالمين واحدًا مما كانوا يعبدون , فرب العالمين عالم حيّ قيوم .
و"ما" يمكن أن تقرن بـ" ذا ",
نحو قوله تعالى : " وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ".
2."من" :
اسم استفهام للعاقل ، مبني على السكون , وتحمل معنى النفي ,
نحو قوله تعالى : " وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ" , أي لا يغفر الذنوب إلا الله .
وهناك من أثبت اقترانها بالواو, ولكن قول الله تعالى : " مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ" , تنفي ذلك.
كما ويمكن أن يدخل على "ما" أحد حروف الجر : "عن ,من,في,الباء واللام" :
*"عن": كما في قول الله تعالى:" عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ"
*"في":كما في قول الله تعالى:" قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ"," فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا"
*"اللام": كما في قول الله:" لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ"
*"الباء": في قوله الله تعالى:" فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ".
*"من": في قول الله تعالى:" فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ".
3."متى":
اسم استفهام مبني على السكون يفيد الظرفية الزمانية المطلقة ,أي أنه غير محدد الزمن.
ومنه قوله تعالى :" مَتَى هَـذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ".
ونحو قول الله تعالى:" مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ".
4."أين" :
اسم استفهام مني على الفتح يدل على المكان.
ومنه قول الله تعالى:" أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ".
5."أيان" :
اسم استفهام للزمان المستقبل ، مبني على الفتح ,
وتأتي في الاستفهام عن الشيء المعظَّم أمره (موضع تفخيم) .
نحو قوله تعالى : " أَيَّانَ مُرْسَاهَا", لعظيم يوم القيامة ,
وكقوله تعالى : " أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ"
الأحد نوفمبر 28, 2010 2:13 am من طرف amira marmar