تغريب التعليم
خط الهجوم الأول ضد الإسلام
(1)
محمد الغباشي
لقد أدركت الدول الغربية والاستعمارية منذ زمن طويل : أهمية التعليم بالنسبة للفرد ، وأثره العميق على نهضة المجتمع ؛
فنال حظًا عظيمًا من اهتمامهم داخليًا وخارجيًا ، وصار سلاحًا ذا حدين ؛
حيث استُثمر لتنمية المجتمعات الغربية ونهضتها والارتقاء بالفرد والجماعة فيها من جانب ،
وصار حربة مصوبة إلى خاصرة الدول الإسلامية المستعمرة تدمِّر فيها الأفراد والجماعات وتزيِّف التاريخ وتشوهه من جانب آخر ،
مستعيضة بذلك عن الاحتلال العسكري ، الذي أثبت عدم جدواه في كثير من البقاع ؛
فالمحتل العسكري لم يزل مكروهًا ، بل ويبذل المجاهدون نفوسهم رخيصة في سبيل طرده من بلادهم ،
وتظل سلوكيات أفراده وأفكارهم منبوذة ومحل نقد مستمر ؛
لذلك استعاض المستعمر بالغزو الفكري والأساليب التغريبية التي قد ينطق بها وينشرها أناس يحملون لون البشرة ذاته ، ويتكلمون باللسان العربي المبين ؛ ولكنهم يحملون عقلاً وفكرًا مخترقًا .
وبإلقاء نظرة سريعة على واقع الدول الإسلامية في اللحظة الحالية يتبين للباحث المتأمل :
أن المستعمر الأجنبي نجح في تحقيق أهدافه ، بمسخ الهوية العربية والإسلامية للدول "المستعمَرة" ـ فكريًا ـ ا
لتي صارت تسير في ركب التغريب والعلمنة ونبذ الدين والهوية العربية والإسلامية ،
ولا شك أن التعليم كان خط الهجوم الأول للمستعمر الذي نفذ من خلاله إلى ضمير أفراد المجتمع وضربه في الصميم .
بداية الانحدار :
لقد بدأت هذه الهجمة التغريبية الشرسة على نظام التعليم في العالم العربي الإسلامي في بداية القرن التاسع عشر ،
منذ تأسيس الدولة الحديثة في مصر في عهد محمد علي ، والتي بدأها بسياسة الابتعاث التي اتبعها ؛
بإرسال الطلاب الشبان غير المحصنين للتعلم في أوروبا ـ التي كانت موطنًا للفتن والشهوات ـ،
وكان هذا أخطر ما فعله في الحقيقة ؛
لأنه من هناك بدأ الخط العلماني يدخل ساحة التعليم ،
ومن ورائه ساحة الحياة في مصر الإسلامية ومن ورائها إلى بقية أركان الوطن العربي .
لقد اجتهد محمد علي بإنشاء المدارس المدنية ـ مما يعدّه البعض نهضة في التعليم المدني ـ إلا أن ذلك كان على حساب التعليم الديني والأزهري ،
فقد بلغ عدد المدارس الابتدائية التي أنشأها محمد علي ستة وستين مدرسة ؛ منها أربعون بالوجه البحري ، وست وعشرون مدرسة في الوجه القبلي ،
أما المدارس التخصصية أو العالية : فشملت مدارس للطب والهندسة والطب البيطري والزراعة واللغات ومدارس حربية للطوبجية والخيالة والبيادة ،
هذا إلى جانب مدارس للموسيقى والفنون والصناعات ، وكان بالقطر المصري نحو عشرة آلاف تلميذ ينتظمون في هذه المدارس .
ومن أهم المدارس العالية التي أنشئت في هذا المضمار :
1- مدرسة الطب ، وقد أنشأها محمد علي بناءً على مشورة من الطبيب الفرنسي كلوت بك الذي استقدمه محمد علي ؛ ليكون طبيبًا ورئيسًا لجراحي الجيش المصري ،
فأشار على محمد علي بإنشاء مدرسة للطب يلتحق بها الطلبة المصريون ، فتم إنشاؤها في عام 1827م في أبي زعبل ،
كما أنشئت مدرسة ملحقة بها لتعليم اللغة الفرنسية ، حيث كانت هيئة التدريس في مدرسة الطب تتكون من أساتذة فرنسيين وقلة من الايطاليين .
2- مدرسة الطب البيطري بدأت في رشيد عام 1828م ثم ألحقت بعد سنتين بمدرسة الطب البشري في أبي زعبل ، وكان مديرها فرنسيًا .
3- المدارس الفنية : وتشمل المدارس الزراعية والهندسية ؛
أما المدارس الزراعية فكان أهمها مدرسة الزراعة بشبرا الخيمة ، التي بدأت الدراسة بها عام 1833م والمدرسة الزراعية بنبروه التي أنشئت عام 1836م .
وكانت هيئة التدريس في هذه المدارس من أعضاء البعثة الزراعية الذين عادوا من أوروبا ، ومنهم يوسف أفندي الذي تولى إدارة مدرسة نبروه الزراعية .
4- وأما المدارس الهندسية : فقد عني بها محمد علي عناية خاصة ،
وكانت آخر مدرسة للهندسة أنشئت في عهد محمد علي هي : مدرسة بولاق عام 1834م التي نظمت على نسق مدرسة الهندسة بباريس ،
ثم انضمت إليها مدرسة المهندسين بالقناطر الخيرية ومدرسة المعادن بمصر القديمة .
5- المدارس الصناعية : وكان أهم هذه المدارس : مدرسة العمليات ، أو الفنون والصنائع التي أنشئت عام 1837م بهدف تخريج الصناع المهرة .
ومدرسة الكيمياء التي أنشئت في مصر القديمة لدراسة الصناعات الكيميائية .
ومدرسة المعادن التي أنشئت في عام 1834م لدراسة كل ما يتعلق بالصناعات المعدنية .
أما مدرسة الألسن فقد أمر محمد علي بإنشائها عام 1835م باسم مدرسة الترجمة ،
ثم تغير اسمها إلى "مدرسة الألسن"،
ويعود إنشاؤها إلي اقتراح من رفاعة الطهطاوي الذي تولى إدارتها واختار للدراسة بها ثمانين طالبًا ،
وعني فيها بتدريس اللغتين العربية والفرنسية ، تليهما اللغة التركية والإنجليزية .
وقد أوجد هذا التعليم المدني ازدواجية في الثقافة والفكر في مصر ، خاصة وأن محمد علي اختص خريجي المدارس الحديثة بالوظائف الحكومية والمناصب الرفيعة ،
في حين اقتصر دور خريجي الأزهر على الوظائف التعليمية التي صار ينظر إليها نظرة دونية ،
ولا تكفل لصاحبها ما تكفله الوظائف الحكومية من دخل .
وللقارئ أن يتخيل كل هذا الاهتمام الذي أولاه محمد علي للتعليم المدني الذي كان أغلب المدرسين به من الأجانب الفرنسيين والإيطاليين ،
في الوقت الذي كان الأزهر فيه يعاني من الإهمال ،
بل عمد محمد علي وأبناؤه من بعده إلى التقييد والتهميش المتعمد لدور الأزهر عن الحياة التعليمية والسياسية إلى أقصى حد ؛
وذلك النهج تلخصه كلمة الخديوي عباس حلمي التي قال فيها محددًا دور الأزهر :
"أول شيء أطلبه أنا وحكومتي أن يكون الهدوء سائدًا في الأزهر والشغب بعيدًا عنه ، فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد وشغب الأفكار ؛ لأنه مدرسة دينية قبل كل شيء ..
إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه .. وأطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائمًا بعيدين عن الشغب ،
وأن تحثوا إخوانكم العلماء وكذلك الطلبة على ذلك"
مهددًا : "من يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد والأخذ والرد فيها بالإبعاد عن الأزهر".
هكذا أرادت أسرة محمد علي أن يشتغل العلماء الذين هم عصب الأمة ومحركو دفتها : بتلقي العلوم الدينية النافعة وفقط ،
أما من تسول له نفسه أن يحيد عن ذلك النهج ؛ فإن الإبعاد عن الأزهر هو مصيره المحتوم .
هكذا كان حال الأزهر ، ولو كان في مكان محمد علي : قائد مسلم يبتغي أن ينهض بمصر على أسس إسلامية وقاعدة إسلامية ؛
فقد كان أمامه سبيل آخر أكثر نجاعة ، هو النهوض بالأزهر ـ معقل العلم لا لمصر وحدها ، بل للعالم الإسلامي كله ـ
بردِّه إلى الصورة الزاهية التي كانت عليها المعاهد الإسلامية في عصور النهضة ،
حيث كانت تعلّم العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية معًا ،
وكان يتخرج فيها الأطباء والمهندسون والرياضيون والفلكيون والفيزيائيون والكيمائيون المسلمون الذين علّموا العلم لأوروبا في عصور الظلام الدامس التي كانت تعيشها .
فإذا كانت بلاده ـ أو بلاد العالم الإسلامي جمعاء ـ تفتقر إلى المتخصصين في هذه العلوم ، الذين يحتاج إليهم الأزهر لينهض بمهمته ،
ففي وسعه يومئذ أن يرسل أفرادًا بأعيانهم ، يُختارون اختيارًا دقيقًا ، على أساس دينهم وتقواهم ، وحصافتهم ورزانتهم ،
بعد أن يكونوا قد تجاوزوا سن الفتنة ، وأحصنوا بالزواج فلا ينزلقون في مزالق الفساد الخلقي ؛
فيتخصصون في مختلف العلوم ويعودون ليدرسوا للطلاب في بيئتهم الإسلامية ،
فيظل الشباب محافظًا على إسلامه ، ويتزود من العلوم بما ينفض عنه تخلفه العلمي ،
ويعيد إليه الحاسّة العلمية التي فقدها المسلمون خلال عصر التخلف الطويل .
ولكن الهدف الأساسي الذي رنا إليه محمد علي من خلال هذه السياسة هو :
جعل مصر قطعة من أوروبا ، كما كان يقول ولده إسماعيل من بعده ،
بغض النظر عما قد ينطوي عليه ذلك من تبديل للقيم الأخلاقية التي كانت تميز المجتمعات الإسلامية عن غيرها ،
وهو ما صار بالفعل عندما عادت البعثات مفتونة وبغير الوجه الذي ذهبت به ؛
وكانت وجهتهم الأولى التي أيقنوا بحدوث التغيير من خلالها هي «تغريب التعليم» .
لقد بلغ عدد من أرسلهم محمد علي باشا إلى أوروبا في زمنه 319 طالبًا ، أنفق عليهم 224 ألف جنيه مصري ـ وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت ؛ حيث كانت يمكن تأجير القصر الفخم بجنيه ونصف فقط ـ
وبعد عودتهم تولى هؤلاء التلاميذ الوظائف الهامة في المجتمع ، وتمكنوا من أن يقوموا بتغيير وجه المجتمع المصري على كافة الأصعدة والميادين الحياتية ،
كما ساهموا في تغيير بنية المجتمع العقدية والفكرية هم وتلامذتهم الذين جاءوا من بعدهم ، تمامًا كما أراد محمد علي باشا ومستشاروه .
ولا أدقّ مما صوره اللورد كرومر عن الاختراق الفكري لمثل هذه البعثات حينما قال :
"إن الشبان الذين يتلقون علومهم في إنجلترا وأوروبا يفقدون صلتهم الثقافية والروحية بوطنهم ، ولا يستطيعون الانتماء في نفس الوقت إلى البلد الذي منحهم ثقافته فيتأرجحون في الوسط ممزقين".
وهذا بالفعل ما حدث في أفراد البعثات التي أرسلها محمد علي لأوروبا ،
ونستطيع أن نلمس ذلك جليًا من خلال قراءة بعض الصفحات من كتاب الشيخ رفاعة الطهطاوي :
(تخليص الإبريز في تلخيص باريز)
الذي ألّفه بعد عودته من فرنسا ، وامتدح فيه الحياة الفرنسية بكل مفرداتها من طرق التفكير والتعليم والتعامل بين الأفراد ،
حتى عادات الطعام والشراب ، وطريقة وضع الأطباق والأكل بالشوكة والسكين ،
الأمر الذي يكشف عن مدى القزامة التي شعر بها الطهطاوي عندما وطئت قدماه هذه البلاد .
لقد عاد رفاعة الطهطاوي ـ العالم الأزهري الذي كان يفترض فيه أن يكون إمامًا لبعثة محمد علي ، وواعظًا لأفرادها وهاديًا لهم من الوقوع في زلل الشهوات في فرنسا ـ عاد بعقل مخترق ،
حيث دعا في كتابه (المرشد الأمين في تربية البنات والبنين) إلى خروج المرأة للتعليم دون وضع ضوابط لهذا الخروج ،
بالإضافة إلى وضع البذرة الأولى لعمل المرأة ، بذريعة أن التعليم :
"يمكّنها عند اقتضاء الحال أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجال ، على قدر قوتها وطاقتها ... فالعمل يصون المرأة عما لا يليق ، ويقربها من الفضيلة ، وإذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال فهي مذمة عظيمة في حق النساء"
هكذا زعم .
إن أخطر ما قدّمه محمد علي لمصر في هذه الفترة :
أنه وضع البذرة الأولى لمثل هذا النوع من التعليم التغريبي الذي أخذت تؤتي أكلها في عصر إسماعيل ،
فروى تربتها رفاعة الطهطاوي في كثير من الوصب والجهد ، ثم جاء علي مبارك فنماها وأوصل جذورها فأينعت وأثمرت ، وشهد تباشير الطهطاوي في أخريات أيامه عندما تهيأت العقول لتقبل مثل هذه التحركات .
القس دنلوب ..
خطوة جديدة على الطريق :
ثم تسارعت الأحداث فيما بعد ، وقدم الاحتلال البريطاني إلى مصر ؛
وقام اللورد كرومر بتعيين القسيس المنصِّر «دوجلاس دنلوب» في منصب مستشار لوزارة المعارف المصرية «وزارة التعليم» ،
والذي كان يتحكم في السلطة الفعلية الكاملة بالوزارة .
ولنا أن نتوقع ما الذي تصير إليه أمور وزارة المعارف في بلد إسلامي ؛ عندما يكون على رأسه أحد المنصرين وقساوسة الدولة المحتلة ؛
لقد استطاع دنلوب أن يرسم سياسة تعليم على وفق الهوى الغربي النصراني (المسيحي) ،
فكان أن وُضعت مناهج تقطع الصلة بين الأمة الإسلامية ودينها التليد ،
فتم تشويه التاريخ الإسلامي ، وأهملت دراسة الدين إلا في أضيق الحدود ، وتم إعادة تعريف الإسلام على أنه الدين الذي أتى لهدم عبادة الأصنام التي عُظمت في الجاهلية ،
ولتحريم وأد البنات وشرب الخمر ولعب الميسر وغارات السلب والنهب .. وفقط ، وقد انتهى دوره بقضائه على هذه الأشياء .
وقد اعتمد دنلوب في سياسته لتطوير التعليم وتغريبه : على سياسة المثل الإنجليزي المشهور :
"بطيء لكنه أكيد المفعول"،
وسدد ضربات قاتلة إلى التعليم الأزهري ، الذي كان عصب التعليم المصري في ذلك الوقت ،
ويعود خبث خطة دنلوب إلى تركه للأزهر على ما هو عليه من الحالة المتردية ، ودعم المدارس المدنية ـ غير دينية ـ التي لا تعلِّم الدين ولا تضعه في خطتها إلا نُتفًا قليلة ،
وأسند الوظائف العليا والمناصب الرفيعة والمكانة الاجتماعية للمتخرجين من هذه المدارس ،
ففي الوقت الذي لا يجد فيه خريج المدارس والمعاهد الأزهرية ـ الذي انتظم في سلك الدراسة عشرين سنة أو أكثر ـ وظيفة إلا بشق الأنفس ،
وإن وجدها فهي براتب زهيد لا يكفيه طعامًا وشرابًا فقط هو وأسرته ، في الوقت نفسه :
يُعيَّن خريج تلك المدارس المدنية في الدواوين والوزارات الحكومية بعد أربع سنوات فقط من الدراسة ،
ويتحصل على راتب يمثل ثروة ضخمة يحيا بها حياة كريمة في العاصمة القاهرة ،
ويتزوج ويبقى لديه فائض يشتري به الأملاك والأطيان .
في الوقت الذي لا يعيش فيه خريج الأزهر إلا كفافًا ، أو عالة ، يسأل الناس أعطوه أو حرموه .
ولا شك أن هذا وضعًا مترديًا لخريجي الأزهر ! كان كفيلاً بتوجه الناس عنه ،
وعن التعليم الديني بشكل عام إلى مثل تلك المدارس المدنية التي تكفل لصاحبها تلك المكانة المرموقة بين أبناء المجتمع ، الذي صار ينظر إلى الثروة والمكانة على أنها كل شيء .
ومن أبرز أعمال دنلوب في دفع عجلة التغريب بمصر:
أنه عمل على محاربة اللغة العربية والإسلام والأزهر ، ومن ذلك :
اضطهاده لمعلمي اللغة العربية من الأزهريين ،
وبإزاء ذلك : نشر لواء اللغة الإنجليزية وأهلها ؛ للسيطرة الكاملة على كل شؤون التعليم ،
وبذلك أمكنه القضاء على نفوذ اللغة العربية .
ولقد مضى في ذلك إلى حد أنّه جعل تعليم سائر العلوم كالرياضيات والتاريخ والكيمياء والجغرافيا والرسم باللغة الإنجليزية ،
وضيّق على اللغة العربية تضييقًا كبيرًا .
وشرع في نزع اعتقاد الشباب المسلم في القرآن ، وكان مذهبه كما كان يقول :
"متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب : يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة".
كان دنلوب يسافر كل صيف إلى بريطانيا ، ثم يعود في أول العام الدراسي بعدد كبير من المعلمين الإنجليز حملة الشهادات الأهلية ،
وكانت أبرز كتابات هؤلاء المدرسين تبث الكراهية للغة العربية ،
وتحطيم آمال الأمة العربية وتغريب التلاميذ واتهام تاريخ العرب والمسلمين وإثارة الشكوك حوله ،
واتهام الحضارة الإسلامية العربية بالاتهامات المختلفة ،
لخلق شعور عام بكراهية هذه الأمجاد والنفور منها والسخرية بها ،
وكانوا يطعنون روح الوطنية في الشباب ؛ للقضاء على حماستهم وتهديدهم .
وكانوا يصفون الأمة بأنّها نصف متحضرة ، واضطهدوا كل شاب أظهر ميلاً أو عاطفة نحو دين أو وطن .
فيما كان محرمًا على كل أستاذ مصري أن يتحدث عن تاريخ مصر أو تاريخ الإسلام .
كما شجع دنلوب انتشار المدارس الأجنبية وفق غايات سياسية تسير في نفس الاتجاه التغريبي الاستعماري ،
وهمَّ بتحطيم كيان الأمة وإفساد معنوياتها .
وعلى الرغم من إقصاء "دنلوب" وتعيين سعد زغلول وزيرًا للمعارف تحت ضغط الرأي العام على اللورد "كرومر" ،
ظلت السلطة الفعلية في يد "دنلوب" ؛
حيث كانت تعتمد من قِبل الوزارة تلك الخطط التي يدبرها مع نظار المدارس ، وكبار الموظفين بعد الاتصال به شخصيًا وتلقي أوامره وتعليماته قبل أن يكتبوا تقاريرهم الرسمية ،
وهو ما حدا بـ"إدوارد لامبير" ناظر مدرسة الحقوق أن يقول في تقريره :
"إنّ الموظف القابض على الإدارة الحقيقية لوزارة المعارف هو دوجلاس دنلوب" .
وقد أبطل "دنلوب" عددًا من الكتب المقررة لأنّها تتحدث عن القيم العربية الإسلامية ؛
حيث كانت غير موافقة لهدفه من الوجهتين الدينية والسياسية ؛
وذلك بإيرادها قواعد الإسلام وأركانه ، مصحوبة بالحكم والآيات والأحاديث التي تحث على حب الوطن والتعاون وإصلاح ذات البين .
وفي سبيل شجب هذه الكتب أعلن دانلوب أنّ مثل هذه الكتب غير موافية لحاجات التعليم ،
وأوعز إلى بعض المدرسين الموالين له : بأن يضعوا كتبًا بديلة لها ، تضم بعض خرافات لافونتين في عبارة سقيمة وأسلوب نازل" .
وقد ناضل الشيخ "حمزة فتح الله" في سبيل إحباط رأيه ؛
فأعلن "دنلوب" أنّ كتب المطالعة يجب أن تكون مجردة خالية من كل ما له مساس بالدين .
هكذا زعم.
تابع :
7
7
اللغة العربية .. والهجمة على القرآن
..
الأحد نوفمبر 28, 2010 3:07 am من طرف amira marmar