تركت أباك مرعشة يداه
وأمك لا تسير لها شراعا
كان لأمية بن السكر ابن اسمه ((كلاب))
وكان أمية يخرج للجهاد في سبيل الله وذات يوم نادى عمر بن الخطاب للجهاد.
فقال أمية : يا أمير المؤمنين أريد أن أخرج للجهاد لكني صرت عجوزا
فقال عمر: لا عليك يا أمية
فقام ابنه كلاب وقال يا أمير المؤمنين : أنا أبيع نفسي لله وأشتري الجنة
ولكن أمية تعلق بابنه وقال يا كلاب لا تدع شيخين عجوزين .
فقال: يا أبت دعني للجنة
فقال أمية :ومن للأيدي المرتعشة فقال يا أبت إنها الجنة .
فلما رأى الأب ذلك قال يا بني : افعل ما شئت .
وصار الأب والأم يخرجان كل يوم للمكان الذي خرج منه كلاب يبكيان إلى المغرب ويرجعان إلى أن وجد أمية ذات يوم حمامه تطعم صغارها فبكى أمية بكاء شديداً وأنشد :
من لشيخين قد نشز كلابا
أناديه فيعرض في إباء
تركت أباك مرعشة يداه
فإنك والتماس الأجر بعدي
سأستدعي على الفاروق ربا
كتاب الله لو قيل الكتاب
فلا وأبي كلابا وما أصابا
وأمك لا تسير لها شراعا
كباغي الماء يتبع الشرابا
إنْ الفاروق لم يرجع كلابا
فلما سمع عمر بن الخطاب ذلك أمر بإرجاع كلاب
وظل أمية يبكي إلى أن أصابه العمى
ولما رجع كلاب رآه عمر قبل أن يذهب إلى أبيه
فقال عمر: يا كلاب كيف كنت تبر أباك وأمك؟
فأجابه كلاب : كنت آتي بالناقة فأجعلها تستريح ليستقر اللبن ثم أغسل ضرع الناقة بالماء ليبرد اللبن داخل الضرع ثم أحلب فأسقي أبي
فقال عمر : امكث حتى يأتي أباك .
فجاء أبوه منحني الظهر فقال له عمر : يا أبا كلاب ماذا تتمنى ؟
قال لم يعد لي في الدنيا شيء
فقال عمر : ما تبغي ؟
قال: لم أبغ إلا كلابا فأشمه شمة وأضمه ضمة قبل أن أموت
فقال عمر: انتظر يا أمية ثم قال عمر لكلاب احلب كما كنت تحلب لأبيك وقد جهز له ناقة .
ولما فرغ ِكلاب أخذ عمر اللبن
وقال اشرب يا أمية فقال أمية : أشم رائحة يدي ِكلاب
فقال عمر: اخرج يا كلاب ولما خرج كلاب احتضنه الأب
وقال يا بني : أقاسي قلبك يا كلاب لتدع أباك .
خذ الأجر مني أعطك الثواب كالجهاد
فقال عمر بن الخطاب : صدقت يا أمية
ثم قال عمر: يا كلاب الزم أبواك فهما جنتك ونارك وبكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ماأجمل ما قال الإمام زين العابدين:
"وأمَّا حق أبيك فتعلم أنَّه أصلك وإنَّك فرعه، وإنَّك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مِمَّا يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، واحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله" .
وعلى الإنسان أن يدرك جيداً كيف يتعامل مع والده كي لا يكون عاقاً وهو غافل عن ذلك، فعليه توقيره ، واحترامه ، واستشعار الخضوع والاستكانة في حضرته .
قال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ لرجل يمشي أمام أبيه :
لا تمش بين يدي أبيك ، ولكن امش عن يمينه أو خلفه .
ولا تدع أحداً يقطع بينك وبينه .
ولا تأخذ عرقاَ نظر إليه أبوك فلعله قد اشتهاه .
ولا تنظر إلى أبيك شزراَ .
ولا تقعد حتى يقعد .
ولا تنم حتى ينام .
هل أظلم وأكبر وأشنع من أن تربي ابنك، فإذا قوي واشتد ساعده، أصبح في مصاف الرجال، عندما أعطيته شبابك وزهرة عمرك ولذة روحك وشجى نفسك رد عليك الجميل منكراً، وأتى فإذا صوته صائلٌ في البيت لا يجيب لك دعوة، ولا ينفذ لك أمراً، ولا يخفض لك جناحاً، يطيع زوجه ويعصيك، ويدني صديقه ويبعدك، إنها -والله- مأساة ما بعدها مأساة
إن للوالدين مقاماً وشأناً يعجز الإنسان عن إدراكه ، مهما جهد القلم في إحصاء فضلهما فإنَّه يبقى قاصراً منحسراً عن تصوير جلالهما وحقّهما على الأبناء.
الخميس مايو 21, 2009 5:25 pm من طرف Mr.Emad