السلام علكيم
بسم الله الرحمن الرحيم
مسرحيتان برابطة الأدب الإسلامي
واليكم الشاعر
محمد الحناحنة
تميّز نشاط رابطة الأدب الإسلامي في الأردن في شهر نيسان 2004 بقراءة مسرحيتين شعريتين إسلاميتين.
المسرحية الأولى وهي بعنوان "الوجه الآخر" لمؤلفها الأستاذ الشاعر أحمد أبو شاور، والثانية بعنوان " الجذور" لمؤلفها المهندس الشاعر غازي الجمل .
مسرحية "الوجه الآخر":
استمد الشاعر أحمد أبو شاور أحداث مسرحيته الشعرية "الوجه الآخر" من التاريخ الإسلامي، فاستمد عناصر بناء نصه المسرحي من رؤيته الواعية لعناصر المسرح، كما وظف حواره الشعري ليوائم تلك الفترة من تاريخ الأمة الإسلامي، وأضفى على شخوصه المسرحيّة أبعادًا أخرى لم يذكرها التاريخ نفسه، بحيث استطاع التغلغل إلى أعماق تلك الشخصيات لإبراز الأبعاد الأكثر إشراقًا والأندى ملامحًا وصلاحًا.
المدهش في الأمر أن الشاعر أبو شاور أضفى عناصر الحركة والفعل والرمز في شخصية "جبير" التي لا وجود لها – على الأغلب- في الأصل، ولكن خيال الشاعر قد استطاع أن يستوعب تلك الشخصية، بعد أن ابتدعها ونماها، وطورها لخدمة نصه المسرحي، ثم ليجعلها ذات وشائج للاتصال بالمستقبل لا عبر الغيبيات؛ بل عبر الأحاسيس الإنسانية المتدفقة لشخص مؤمن، فجعل تلك الشخصية "شخصية جبير" تحيا بكيانها في تلك الأزمنة، فيما تعيش في هذه الأيام من خلال رعيها، ولهذا وُصف جبير "بالمعتوه"؛ فجبير إذًا هو الرمز الذي يُسقط أحداث الماضي على المستقبل، وهو ذاته الذي يسقط أحداث المستقبل على الماضي، وكأنه يعيش معنا تمامًا ليس بجسده، ولكن بفكره الواعي وتطلعاته الروحانية... فهو كإنسان هذه الأيام – المسلم تحديدًا- الذي لا يستطيع أن ينسلخ عن حاضره ليحيا في ماضيه، ولا أن ينسلخ من ماضيه ليؤمن بأن الحياة التي يعيشها في هذه الأيام تحمل شيئًا من فطرته النقية، وإذا قدر له أن يجدها فعليه أن يفعل الكثير من أجل أن يخلصها من الشوائب التي علقت بها بتأثير العديد من المتغيرات؛ فإذا "بجبير" يُرى وكأنه معتوه، وإذا بمعتوه تلك الأزمنة يعرف مالا نعرفه في أيامنا هذه، وهل أعلى من معرفة قدر الله معرفة؟! و هاهو يقول في أحد المشاهد:
عرفتُ الله في نفسي
وما فيها
من الإعجاز ما يُقضى لباريها
فأضحى القلبُ ذا عين تُبصره
وللخلجات إحساس يُنقيّها...
وحين تسأله جدته (أم أسلم بن عبد البكري) لتتحقق من درجة وعيه، بقولها: فما رؤياك عن فتن ستأتي
وهل للناس من درعٍ يُوقيها؟
يجيبها جبير بقوله:
سليني ما استطعت له جوابًا
فيما ألقيتُ عن غَيْب حجابا
ولستُ بتابع المختار حتى (1)
أمالق دعوة أضحت كِذابا
وحين تستجير جدته بالله الذي يمهل ولا يُهمل
حيث تقول:
تعالى الله لم يُهمل أمورًا
يراها العبدُ من جَهل صغارًا
نسمع جبير يوافقها القول بفطنة وبديهة لا تشير إلى الجنون الذي أُلحق به جزافًا وظلمًا، حيث يقول بعد أن يصيغ الحديث النبوي شعرًا:
وقد ألقى العجوز بنارِ خُلْدٍ
إذْ احتبست هريرتها ضِرارًا
وعلى هذا النحو جاءت حوارات الكثير من الحوادث على لسان جبير، مما يؤكد غاية الشاعر المبررة لابتداع شخصية جبير، كما تؤكد استيعابه – أي المؤلف- لما ينبغي أن تكون عليه المسرحية الإسلامية التي تمتع القُراء وتشدهم، وتقنعهم بالفكرة التي أرادت طرحها دونما حاجة إلى التقرير أو المباشرة، حتى ولو لم تمثل تلك المسرحية على خشبة المسرح لعدة اعتبارات تدخل في صميم العقيدة الإسلامية، أو لنقل من باب إشكالية المرأة في المسرحية الإسلامية.
المسرحية الثانية : بعنوان " الجذور":
لمؤلفها وقارئها المهندس غازي الجمل، وقد تناولت هذه المسرحية كافة المفارقات التي قد تخطر ببال المواطن المسلم، وتدخل في صلب قائمة معاناته اليومية، وهي أيضًا مفارقات سياسية وفكرية استعمارية يؤمن بها صناع القرار في الدول التي تحارب الإسلام والمسلمين بغير هوادة، وهي ذات الدول التي تضع المخططات للنيل من المسلمين وتجويعهم، وفرض إرادتها عليهم. وقد استطاع الشاعر الجل أن يجمع كل هؤلاء في كادر مسرحيته، ويضمهم في مجلس واحد أو مؤتمر واحد، غايته اتخاذ كل الإجراءات التعسفية لحق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
استطاع الشاعر الجمل من خلال حواره المتبع بألفاظ الفكاهة والسخرية أن يصل إلى قلوب المستمعين ويحرك مشاعرهم. وقد عمد إلى تبهير تلك الجمل الشعرية الحوارية بالعديد من الألفاظ الإنجليزية، فجعل لها أمكنتها المناسبة في مغاليق القوافي، مما جعل للفكاهة طعمًا أكثر طيبة.. ومذاقًا.
لما يأبه الشاعر الجمل بالسيناريو نظرًا لطبيعة المسرحية وكادرها المحصور بطاولة محادثات أو جلسة منها إلى المسرحية، لكن هذا لم ينقص من قيمة المسرحية كعمل أدبي متميز.
حوارات دافئة
عقبت الشاعرة نبيلة الخطيب، وخصت مسرحية "الوجه الآخر" بكثير من الإيجابيات؛ فأشادت بقوة لغة حوار المسرحية، وبقوة سبكها، واشتمالها على كافة عناصر المسرحية الجيدة، وذكرت أن الشاعر أبو شاور قد وفق تمامًا في كتابته لهذه المسرحية بالشعر المرسل الذي يلائم تمامًا تلك الحقبة من الزمن، التي حدثت فيها أحداث المسرحية.
وعقب الأستاذ محمد الحسناوي فأشاد بجهد المؤلفين وبيّن أن شعر التفعيلة أقدر وأطوع من الشعر المرسل للتعبير عن أفكار الشاعر.
كما عقّب المسرحي المعروف الأستاذ هاشم كفاوين على المسرحيتين بشكل عام، ومسرحية الوجه الآخر بشكل خاص وذكر أن ما سمعه من نص إنما يدل على وعي المؤلف وقدرته العالية على رسم شخوص مسرحيته، وقد جاء الحوار متناسقًا مع السيناريو.
وقد حضر المسرحيتين جمهور غفير من أعضاء رابطة الأدب الإسلامي، وضيوفها، ومحبي الأدب الإسلامي في الأردن. واختتم الدكتور مأمون جرار الأمسية بإثارة إشكالية ظهور المرأة على المسرح الإسلامي ومحظوراته.
--------------------------------------------------------------------------------
المختار بن عبيد الله التقي الدعي، الذي ادعى أن الوحي يهبط عليه.(1)
الثلاثاء مايو 26, 2009 3:06 pm من طرف Mr.Emad