فوجئ أهل مكة لما رأوا جيشاً في بلدتهم يتقدمه فيل عظيم يقوده رجل يُدعى أبرهة الحبشي يريد أن يهدم الكعبة المشرّفة.. و علم المكّيون أنهم لا يستطيعون مقاومة هذا الجيش، فهربوا إلى شعاب الجبال لئلا يشاهدوا المنظر الأليم إلى نفوسهم.

وضرب أبرهة خيامه خارج مكة استعداداً للهجوم ولعله كان يريد الراحة قليلاً ..

كان يقول في نفسه:

لن يستطيع أحد أن يقف في وجه هذا الجيش الذي يضم جنوداً أشداء، يخيف مظهرهم الناس، غداً ستكون أحجار الكعبة على الأرض، بعد أن تعمل فيها الفؤوس والمعاول.. وستتحول القبائل كلها من الحج إلى مكة للحج إلى اليمن، إلى معبد القُلَّيس.

وبينما هو في أحلامه ومخططاته إذ دخل عليه جندي كان يحرس خيمته، يستأذن لدخول زعيم مكة ودخل عبد المطلب جدّ الرسول صلى الله عليه وسلم، فسلّم على أبرهة الذي كان يتوقع منه أن يطلب إليه الانسحاب من مكة لقاء شروط معينة.. لكن عبد المطلب تحدث عن موضوع آخر بعيد كل البعد عن الكعبة المقدّسة.. فوجئ به أبرهة..

- إن جنودك أيُّها الملك اغتصبوا إبلاً لي ترعى في الشعاب (الطرق الجبلية). وقد جئتك لتعيدها إلي.

نظر أبرهة إلى عبد المطلب نظرة تعجّب وازدراء .. ثم قال له:

- لقد ظننتك جئت لتفاوضني في أمر الكعبة التي تقدّسونها أيُّها المكّيّون.. فإذا بك تتحدث بقضية تافهة.. لقد كنت عظيماً في عيني قبل أن تتكلم.

هزّ عبد المطلب رأسه في هدوء العظماء الذين يعرفون الحقائق، وقال لأبرهة:

- إن الكعبة أيُّها الملك في أمان، بناها إبراهيم بأمر الله، ولن يستطيع جيش مهما كان عظيماً أن يهدمها فلماذا أفاوضك عليها.. إن لها ربَّاً يحميها.. أما أنا فربُّ الإبل .. ولهذا جئت أريدها.

ودهش أبرهة فوق دهشته الأولى.. أمر بالإبل أن تُعاد إليه.. ثم دخل في قلبه خوف من كلام عبد المطلب، ولعل نفسه حدثته بالرجوع، لكن كبرياء الملك العنيد أبى عليه، فأمر من صباح اليوم التالي بالتقدم نحو الحرم.

وما أن اقترب الجنود من الكعبة، وهم يسوقون الفيل العظيم أمامهم حتى حجبت السماءَ عنهم طيورٌ صغيرة لم يدرِ أحد من أين جاءت، كان كل طائر منها يحمل ثلاثة حجار صغار في يديه ومنقاره.. وجعلت الطيور تقذف الجنود بها فيخترق الحجر الواحد جسم الرجل، ويحرقه، فيلتهب جسمه، ويستلقي على الأرض، لا يقدر على الحراك.

لم يكن للجيش بالطيور طاقة، لم يستطيعوا الاحتماء منها ولا الوقوف بوجهها.. ولم يكن بدّ من الانسحاب.. وحمى الله الكعبة المشرّفة.

وصدق عبد المطلب حين قال:

إن للبيت ربّاً سوف يحميه.

في ذلك العام ولد النبي صلى الله عليه وسلّم ..فكان مولده حدثاً عظيماً، بعد حدث عظيم.

قال الله تعالى:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 105/1-5]