تاريخ الديناصورات

العلم في صور

فن تشارلز نايت

لقد أحيت رسوم نايت صور الدينوصورات في عقول

الجماهير قبل ظهور فيلم "الحديقة الجوراسية⁽¹⁾" بزمن طويل.

في النصف الأول من القرن العشرين، كان علماء المستحاثات (الإحاثيون) paleontologists يتصورون أن الدينوصورات هي عموما زواحف ذات أدمغة صغيرة تسحب ذيولها على الأرض، ولم تتعود قط الحياة الاجتماعية والأبوية. وفي السنوات الأخيرة، صار من الواضح لدى علماء المستحاثات أن كثيرا من الدينوصورات كانت بالفعل نشيطة واجتماعية. ولكن وجهة النظر الأقدم ـ التي دعاها (من جامعة هارڤارد) النظرة الإجمالية الحديثة Modern Consensus ـ استمرت عدة عقود. وعلى الرغم من أن علماء المستحاثات كانوا مسؤولين عن هذا الاتجاه، فإن الفنان الأمريكي <تشارلز R. نايت> (1874-1953) Charles R. Knight هو الذي جعله شعبيا. إن اللوحات الجدارية (الجداريّات) التي رسمها لمتاحف كثيرة في طول البلاد وعرضها سيطرت على الطريقة التي كان الناس ينظرون بها إلى الحياة في الحقبة ما قبل التاريخ، ليس فقط في أثناء سيرته المهنية التي امتدت من بداية القرن العشرين وحتى أربعينياته ـ ولكن لعدة عقود من بعد رحيله أيضا. وحقا فإن الجيل الذي عاصره من رسامي الدينوصورات ـ وكنتُ منهم ـ كبُرنا مع إعجابنا بأدائه. إن هذه الصور ستبقى على الأرجح تلهم "فناني المستحاثات⁽²⁾" لسنين قادمة.

أعداء ألداء
يتجابه فرد من الجنس تريسراتوپس ذي القرون مع فرديْن من الجنس تيرانوصوروس العملاق في أشهر لوحات نايت الجدارية (الشكل السفلي)، وهي لوحة رسمها في أواخر عشرينيات القرن العشرين. إنّ أمثالها من اللوحات مازالت تتمتّع في العصر الحالي بمستوى فني رفيع لدى فناني علم المستحاثات. لقد قدّم نايت كثيرا من الصور المفصّلة لحيوانات ما قبل التاريخ معتمدا على معرفته الواسعة بالتشريح، وعلى خياله المفعم بالحيوية. وعلى سبيل المثال فمع أن نموذج الجنس ستيگوصوروس الذي ابتدعه عام 1899 (الصورة في اليسار) يحمل عددا من الصفائح أكبر مما هو معروف وقتُها، فإنه يحملها بالترتيب المتناوب المقبول الآن.

لقد ساد تأثير نايت بدرجة كبيرة لأنه كان فنانا ممتازا وكذلك عالِما طبيعيا امتلك تفهما عميقا لعلم التشريح. وكانت عنده القدرة على تطبيق معلوماته الواسعة في البنية التشريحية ليجعل مخلوقات ما قبل التاريخ وكأنها بُعثت حية مرة أخرى. وقد بقيت لوحاته معروضة في متاحف كثيرة تتضمن متحف فيلد للتاريخ الطبيعي في شيكاغو ومتحف التاريخ الطبيعي في لوس أنجلوس. كما تكوِّن جزءا هاما من قاعات الدينوصورات الجديدة في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي بمدينة نيويورك.

إن أول وصف منشور عن مستحاثاتٍ (أحافير) يُعتقد اليوم أنها من دينوصورات، ظَهرت في عام 1824. وقد جمّع العلماء خلال القرن التاسع عشر كثيرا من الأسنان والعظام من حفريات في أوروبا والولايات المتحدة. ومن الطبيعي أن الجمهور ألح لوضع توصيف لهذه العمالقة المنقرضة. لكن الهياكل المحطّمة التي وجدها صيادو المستحاثات لم تقدم معلومات كاملة للفنانين الراغبين في استبعاثrestoration حيوانات بائدة. إن أهم الجهود التي أرضت فضول المجتمع قدمها Richard Owen عالم المستحاثات المشهور الذي ابتكر اسم "دينوصورات" عام 1841. وقد كُلف في عام 1854 بتصميم منحوتات للدينوصورات بالحجم الكامل مازالت قائمة حتى اليوم في قاعات قصر البلّور بلندن.

تاريخ الديناصورات SCI96b12N11-12_H06_005493

تاريخ الديناصورات SCI96b12N11-12_H06_005494

حُفرُ القار في رانكو لا بريا بكاليفورنيا
رسمها نايت في عشرينات هذا القرن، بعد نحو 15 سنة من اكتشافها في أعمال الحفر عام 1906. أعطت الرواسب عددا كبيرا من مستحاثات (أحافير) عصر الجليد، وتشمل مستحاثات القطط سيفية الأسنان saber-toothed وأسود الكهوف والفيلة والماستودونات mastodons، والكسلانيات sloths والجَمَلِيّات والخَيْلِيّات والذئاب الأمريكية coyotes والثيران الأمريكية bisons والظباء والطيور. وخلافا لرسوم نايت عن الدينوصورات، فإن لوحاته عن الثدييات تُظهر بشكل نموذجي كثيرا من الحركة. كما أن تركيبات الثدييات الهيكلية التي أقيمت في المكان نفسه الذي عُرضت فيه لوحات نايت الجدارية مثل الكسلانيات في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي بمدينة نيويورك (الصورة الفوتوغرافية)، اتخذت وضعيات مفعمة بالحيوية.

إن الهيكل الكامل الوحيد الذي اكتشف قبل الثمانينات من القرن التاسع عشر جاء من ألمانيا، وهو حيوان من آكلات اللحم (اللحوميّات) صغير الحجم شبيه بالطيور سُمّي كومپسوگناتوس⁽³⁾ Compsognathus. وقد تحسّنت الحالة بشكل مثير خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عندما بدأ العلماء يحفرون الرواسب الغنية بالدينوصورات في غرب الولايات المتحدة القاحل. وهناك كشفوا عن هياكل كاملة من الصوروپودات sauropods والألّوصورات allosaurs المفترسة والستيگوصورات stegosaurs ذات الألواح، من الدور⁽⁴⁾ الجوراسي jurassic period. وبدأت المعرفة تتراكم عن أشكال الدينوصورات وأحجامها. وبدأ نايت بعد ذلك بقليل، في الثمانينات من القرن التاسع عشر، برسمها.

تاريخ الديناصورات SCI96b12N11-12_H06_005495

تاريخ الديناصورات SCI96b12N11-12_H06_005496

دينوصورات بطّية المنقار
لوحة للجنس أناتوصوروس Anatosaurus، رسمها نايت عام 1909 ( في اليمين). لقد استند نايت في تركيبه إلى هيكلين منصوبين في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي. ويُعرَض الهيكلان ولوحة نايت الجدارية جنبا إلى جنب في قاعات المتحف المجدَّدة حديثا والمخصصة للدينوصورات.

وعلى الرغم من توقيته الجيد، فمن العجيب إلى حد ما أن نايت قد أصبح من أشهر رسامي الدينوصورات في عصره. لقد كان نايت ذا طباع حساسة تميل إلى الهلع المرضي. ومع أنه كان فنانًا واعدا في سن مبكرة ـ بدأ برسم الحيوانات والمناظر الطبيعية في سن الخامسة والسادسة ـ فقد كان مصابا بقصر بصر شديد. إضافة إلى أن ثمة جُرحا شديدا في عينه اليمنى أصيب به في طفولته زاد من ضعف بصره. ومع ذلك، وبالتشجيع الذي كان يلقاه من كل الكبار من حوله ـ بمن فيهم زوجة أبيه الفنانة وصديقٌ للعائلة موهوب ـ فقد درس نايت مع تقدّمه في السن في عدد من مدارس الفنون بمدينة نيويورك وما حولها. وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره حصل على عمله الأول والوحيد بكامل الأجر full-time وهو رسم لوحات لمناظر طبيعية تزخرف بها الكنائس.

تاريخ الديناصورات SCI96b12N11-12_H06_005497

تاريخ الديناصورات SCI96b12N11-12_H06_005498

صوروپود مستند على طرفيه الخلفيين،
رسمه نايت في مرحلة مبكرة من تاريخه المهني قرب نهاية القرن التاسع عشر. وكان في هذا الرسم متأثرا بإحدى نظريات عالِم المستحاثات التي تفرض أن مثل هذه الدينوصورات ربما كانت حيوانات برّية تتغذى بأوراق الأشجار العالية (اللوحة في الأعلى)، وهي فكرة رفضها حينئذ معظم علماء المستحاثات. ومع ذلك فإن الجنس باروصور barosaur الشهير الذي وُضع سنة 1991 في بهو مدخل المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي لتحية الزوار، قد نُصب بالوضعية نفسها (الصورة الفوتوغرافية في الأسفل).

وسرعان ما انتقل نايت بعد ذلك من بروكلين إلى مانهاتن ليبتعد عن زوجة أبيه بسبب غيرتها المتزايدة. وانطلق بسرعة في مهنة ناجحة ومستقلة كرسام لعدة منشورات في مجال التاريخ الطبيعي. لقد كان يستمتع بالذهاب إلى حدائق الحيوان والحدائق العامة في المدينة، وكان يُؤرِّخ نزهاته هذه بعمل رسوم تخطيطية غاية في الدقة لما يصادفه من حيوانات ونباتات وأشياء أخرى. لقد حسّن التمرين عمله، وكذلك هوايته في زيارة متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي. وهناك شحذ معرفته في علم التشريح بممارسة تشريح الجثث. وفي هذا المتحف أيضا وجد نايت مهنته عندما طلب إليه أحد علماء المستحاثات أن يصنع له نسخة طبق الأصل عن أحد الثدييات المنقرضة.

تاريخ الديناصورات SCI96b12N11-12_H06_005499

تُمثّل هذه الصورة زواحف من آكلات اللحم وهي تتقاتل فيما بينها، تنتمي إلى الجنس دريپتوصوروس Dryptosaurus، وتظهر هنا كما وصفها عالم المستحاثات . وقد أكمل نايت رسم اللوحة في عام 1897 بعد رحيل كوپ بقليل. وفي خلال عقد من الزمن بقي معظم العلماء غير مقتنعين بفكرة أن هذه الدينوصورات كانت تقفز في الهواء. ولكن يعتقد بعض العلماء الآن أن هذه الثيروپودات ربما كانت بالفعل حيوانات قنّاصة عدوانية الطباع.

تاريخ الديناصورات SCI96b12N11-12_H06_005500

رسم نايت هذه الپروتوسيراتوپسات Protoceratops الصغيرة عام 1922 مباشرة بعد اكتشاف المواقع الأولى لبيوض الدينوصورات في منغوليا. وبناء على اقتراح أوسبورن رسم نايت هذه الدينوصورات السيراتوپسية وهي تحمي بيوضها. (بيّن خبراء المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي فيما بعد أن هذه البيوض تنتمي بالفعل إلى الجنس أوڤيراپتور Oviraptor). ويمكن مشاهدة هذه اللوحة في متحف فيلد للتاريخ الطبيعي بشيكاگو.

وبعد رحلة طويلة إلى أوروبا درس خلالها الفن وزار مزيدا من حدائق الحيوان، حوّل نايت اهتمامه إلى الدينوصورات وقَصَره عليها تقريبا. وعمل فترة قصيرة تحت إشراف عالم المستحاثات الفقارية المشهور Edward Drinker Cope، وذلك قبل وفاته مباشرة. وقد أثار كوپ ومنافسه (من كلية ييل) أول اهتمام كبير لدى الأمريكيين بالدينوصورات في سبعينيات القرن التاسع عشر.

لكن الصداقة الأهم التي كوّنها نايت مرة أخرى في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، كانت في تعاونه مع الأرسطوقراطي . وكمدير للمتحف أراد أوسبورن أن يجد شخصا يمكنه أن يترجم مجموعاته من العظام الجافة إلى صور حية تأسر الجماهير. فأوسبورن كان يعتقد أن مثل هذه الصور يمكن أن تجذب الجماهير وتجعل متحفه مركزا رئيسيا للعلوم الطبيعية.

وسرعان ما وصل نايت إلى الهدف وذلك بجذب الانتباه إلى المتحف وإلى نفسه من خلال تشكيل أعمال الاستبعاث التي عكست كثيرا من أفكار أوسبورن الأولى. فمثلا افترض أوسبورن أن الصوروپودات ربما كانت حيوانات برية من آكلات أوراق الأشجار (راعيات الخضرة) العالية. وبناء على ذلك وبتوجيهات منه رسم نايت أحد الصوروپودات: البرونتوصور brontosaur، وهو منتصب على طرفيه الخلفيين وكأنه يبحث عن أوراق الأشجار العالية [انظر الشكل في الصفحة 38]. ورسم نايت أيضا تيروپودات theropods كبيرة وهي تقفز في الهواء [انظر الشكل العلوي في الصفحة 39]. وبالرغم من أنه كان مصيبا في تمييز هذه التيروپودات كقناصة خفيفة الحركة، فإن معظم معاصريه من علماء المستحاثات رفضوا هذه الفكرة.

وفي بداية القرن العشرين كشفت أعمال الحفر في أمريكا الشمالية وآسيا عن بقايا دينوصورات رائعة من الدور الكريتاسي الأعلى ومن بينها التيرانوصورات tyrannosaurs المخيفة، والسيراتوپسات ذات القرون horned ceratopsians، والهدروصورات بطّية المنقار duck-billed hadrosaurs، والأنكيلوصورات المدرّعة armored ankylosours. كانت رسوم نايت منذ ذلك الزمن ـ وهي في المقام الأول لوحات جدارية نُفِّذت للمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي ولمتحف فيلد للتاريخ الطبيعي ـ أعمالا فنية غاية في الدقة والتعقيد. لقد رسم على نحو نموذجي مشاهد طبيعية ضبابية ـ ربما بسبب ضعف بصره ـ مليئة بصور مرسومة بواقعية وبدقة عالية لدينوصورات مشهورة. وهذه المشاهد كانت أكثر سنوات نايت إنتاجا، وصارت رسومه الأكثر شهرة في العالم.

تاريخ الديناصورات SCI96b12N11-12_H06_005501

يمثل هذا الرسم الجنس أگاتوماس Agathomas ذا القرون، وهو أحد أعمال نايت المبكرة الذي أتمه بتوجيه من كوپ عام 1897 وقدّمه إلى المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي. لقد قدّم علماء المستحاثات في أثناء عصر كوپ الكثير من المواصفات الخيالية وغير الواقعية للدينوصورات. فالحيوان المرئي في اليسار يعرض ماذا يمكن أن يظهر في المقاييس الحالية من أشكال هائلة من الزخارف.

وصلت حياة نايت الشخصية أيضا إلى الأوج في أثناء عشرينيات هذا القرن. فقد كان له ولزوجته الموهوبة <آني هاردكاسل> شعبية في أوساط نيويورك الاجتماعية. لقد وفّرت آني لها ولزوجها حياة مريحة بحسن إدارتها كل موارد زوجها المالية، من مصروف جيبه إلى ما كان يكسبه من لوحاته (وقد عُرف عنه عدم اهتمامه بالمسائل المالية). وفي السنة الثالثة عشرة من عمرها أخذت ابنتهما "لوسي" على عاتقها هذا الأمر. وبعد ذلك بسبع سنوات نجحت لوسي في الحصول على مبلغ 000 150 دولار من متحف فيلد نظير عرض ما رسمه والدها من لوحات جدارية. وفي الثلاثينيات من هذا القرن نمَّى نايت دخله من إلقاء المحاضرات، وزاد نفوذه وتأثيره باطراد. لقد أضحى "فن استبعاث الدينوصورات" في العصر الحالي صناعة ثانوية تُمارَسُ في كل أنحاء العالم. لذا، فإن كثيرا من الرومانسية التي نَعِم بها نايت ـ وقد كان وحده تقريبا في هذا المضمار ـ قد اختفت.

تاريخ الديناصورات SCI96b12N11-12_H06_005502

في هذه اللوحة دينوصورات أمريكا الشمالية من الدور الكريتاسي الأعلى، التي رسمها نايت في أواخر العشرينات لحساب متحف فيلد للتاريخ الطبيعي. ويُعرض في هذا المشهد شبه الضبابي تنوع من المخلوقات تشمل من اليسار إلى اليمين: الجنس كوريتوصوروس قُبعيّ العُرف helmet-crested Corythosaurus ، وقطيع من الجنس پاراصورولوفوس Parasaurolophus، والجنس پاليوسكينكوس Paloeoscincus المدرّع، وعدة أفراد من الجنس ستيروتيوميموس Struthiomimus وقلة من أفراد الهدروصورات المسطّحة الرأس تنتمي إلى الجنس إدمونتوصوروس Edmontosaurus.

كان نايت يعمل مع علماء المستحاثات بتعاون وثيق. لذا فإن فنه يعكس المعتقدات العلمية الجامدة التي سادت عصره. ومع ذلك لم تكن هذه المعتقدات بأي حال مطلقة. فمثلا في مؤلفه المصوَّر (كتالوجه) الذي جمَّعه عام 1946 تحت اسم الحياة عبر العصور، وصف نايت الدينوصورات بأنها حيوانات "غير متكيفة وغير متطورة"، وبأنها "بليدة بطيئة الحركة"، ومقدّر لها الانقراض لتفسح المجال للثدييات "الصغيرة الحجم النشيطة ذات الدم الحار". ولكنه لاحظ، وفي الصفحة نفسها، أن أحد الدينوصورات المفترسة كان "خفيف البنية ليتمكن من الحركة السريعة، كما كان فطنا بوضوح بالنسبة إلى زاحف". وكان لا يرسم دائما الدينوصورات كزواحف "نموذجية". ففي إحدى لوحاته صوَّر فرديْن من جنس التريسراتوپس Triceratops يعتنيان بصغيرهما. وفي مناسبة أخرى صوَّر مجموعة اجتماعية من الدينوصورات آكلات النبات في أحد أعماله. وبعد اكتشاف مكان بيض (أعشاش) الدينوصورات في آسيا الوسطى رسم بناءً على اقتراح من أوسبورن عددا من أفراد الجنس بروتوسيراتوپس protoceratopsids الصغيرة الحجم وهي تحمي بيوضها.

إن تحديدات الزمن في رسوم نايت تتجلى في أكثر لوحاته شهرة وهي التي تعرض أحد أفراد الجنس تريسراتوپس ذي القرون وهو منعزل في مواجهة اثنين من أفراد الجنس تيرانوصوروس [انظر الشكل في الصفحتين 34 و35]، لأن نايت لم يكن يعرف بعد أن طبقات ضخمة من العظام ستكشِف في آخر الأمر عن أن بعض الدينوصورات ذات القرون كانت تعيش في تجمعات. وفضلا عن ذلك، ففي لوحة نايت هذه لم تلاحظ أي إشارة إلى حركة آكل النبات ومفترسيه؛ فكل قدم مثبتة بإحكام على الأرض. وفي الواقع فإن قاعدة (كل ـ قدم ـ على ـ الأرض) تنطبق على معظم صور دينوصورات نايت. ومع أنه كثيرا ما كان يرسم ثدييات ـ حتى الكبيرة منها ـ وهي تمشي وتركض، لم يصوِّر نايت تقريبا أية دينوصورات بهذه الوضعية. وغالبا ما كان يلوِّن الدينوصورات بظلال رتيبة من لون موحّد من الرمادي والأخضر. وقد يكون للدينوصورات مثل هذه الألوان، ولكن من المحتمل أنّه كان لها طيف ملوّن تقريبا مثل طيف الزواحف والطيور، وأنّ جلودها الحرشفية ربما كانت أرضيات مناسبة للاصطباغ بألوان زاهية بشدة. لهذه الأسباب يستعمل معظم الفنانين اليوم ألوانا زاهية في تلوين دينوصوراتهم.

استعمل نايت معلوماته الواسعة عن التشريح ليجعل الأشكال المنقرضة من الدينوصورات تبدو وكأنها حقيقية لدرجة تجعل مشاهديه يعتقدون بسهولة أنه رآها رأي العين. وهذه القدرة تفسر، من دون شك، سبب استمرار صوره مقبولةً حتى اليوم. ولكن هذه الواقعية الظاهرة كانت سطحية بطريقة ما. فبالرغم من أن نايت رسم رسوما تخطيطية مفصّلة عن الجهاز العضلي الهيكلي لحيوانات حية؛ فإنه لم يرسم للدينوصورات مثل هذه الرسوم المفصلة، والسبب يعود إلى حد ما إلى محدودية المعلومات التي تكشف بها الهياكل عن الجهاز العضلي للحيوان. وبدلا من ذلك فقد كان نايت يرسم تركيبات هيكلية ويصنع منحوتات أولية (تقريبية) ويصمم نماذج استبعاث يدوية عن الحياة، وهذا تقليد اتبعه كثير من فناني الدينوصورات.

كان نايت يمارس ترتيبات تشريحية معينة أربكتني عندما كنت فنانا ناشئا في ستينيات القرن الحالي ـ وكان ذلك في الفترة الزمنية التي سبقت شيوع الفكرة القائلة بأن الدينوصورات كانت حيوانات نشيطة. وكنت أعرف أن الدينوصورات كانت تعدّ من الزواحف، وأن السحالي (العظايا) والتماسيح لها عضلات فخذية ضيقة متصلة بأوراك صغيرة. وانسجاما مع هذه النظرية كان نايت يرسم دينوصوراته بأفخاذ ضيقة شبيهة بأفخاذ الزواحف. ومع ذلك، فإن النظر إلى الهياكل جعلني أقدر أن بنية الدينوصورات على ما يبدو أكثر شبها بالطيور والثدييات، أي لها أوراك كبيرة تتثبت عليها عضلات فخذية عريضة. لكن ماذا عسى أن يصنع فنان ناشئ مثلي عند رسمه الدينوصورات؟ لقد قلّدت بطلي نايت، مع أنّ عالم المستحاثات الفقارية المشهور Alfred S. Romer (من جامعة هارڤارد) رسم بشكل صحيح دينوصورات ذات أوراك كبيرة وعضلات فخذية عريضة تشبه عضلات الطيور ضمن أبحاثه المدرسية (الكلاسيكية) عن تطور الجهاز العضلي لرباعيات الأرجل في0000000000000 عشرينيات القرن العشرين. وتم حل التناقض في السبعينيات عندما ظهرت أخيرا الفرضية الجديدة ومفادها أنّ الدينوصورات كانت من ذوات الدم الحار. فالحيوان الذي له أوراك كبيرة وعضلات فخذية عريضة سيحتاج إلى نظام من الحركات (الرياضية) تمكنه من تحمل مستويات عالية من النشاط فترات طويلة.

نحن الفنانين نشبه إلى حد ما السَّحرة؛ إذ إننا نستعمل الخدع البصرية لنوقع الناس في الاعتقاد بأنهم يرون وجها من وجوه الحقيقة؛ وحيث إن جعبة الخدع البصرية للفنان منا تكبر مع الزمن، فإن أعمال معظم الفنانين تصير أفضل مع تقدم العمر. ومع ذلك فإن أعمال الاستبعاث التي قدّمها نايت في السنوات العشر الأخيرة لم تصل إلى مستوى إنجازاته المبكرة، ولعل ذلك بسبب تزايد ضعف بصره. كما أن رحيل أوسبورن الذي طال أمده والأزمة الاقتصادية الكبرى والحرب العالمية الثانية أوصلت كلها علم الدينوصورات dinosaurology إلى فترة من الركود استمرت ثلاثين سنة. هذا ولم يعرف نايت قط عن وجود أماكن كانت تبيض فيها الدينوصورات، وعن حصول هجرة جماعية لتجمعاتها، ولم يعرف مواطنها (بيئاتها) القطبية، وشكل رأس الجنس أپاتوصوروس Apatosaurus. كما لم يعرف بالتصادمات النيزكية الضخمة، وبحقيقة أن الطيور ما هي إلا دينوصورات حية. بالرغم من كل ذلك فإن أعمال الاستبعاث التي قدّمها مازالت تشكل أرفع المستويات بالنسبة إلى القيمة الفنية ـ وستظل المحفِّز لهؤلاء الذين يسيرون على دربه.

المؤلفGregory S. Paul

عالِم ومصوِّر يكتب في مجال الدينوصورات. درس في جامعة جون هوپكنز. نشر أعماله الفنية في المجلات نيتشر Nature وسميثونيان Smithonian وسيانس نيوز Science News. وكتب مقالات للكثير من الدوريات المهنية.